قلت : امرؤ من العرب ، فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك - أي انه لم يحقق معه ويكثر عليه السؤال للكشف عن شخصيته كما تفعله العقليات المخابراتية والفضوليون في عصرنا - . ثم قال لي : " أخبرني عن الناس خلفك " ؟ فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء . فقال : " صدقت ، لله الامر من قبل ومن بعد ، وكل يوم ( ربنا ) هو في شأن ، إن نزل القضاء بما نحب ونرضى فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سريره " ( 1 ) . فقلت له : أجل بلغك الله ما تحب ، وكفاك ما تحذر . وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرك راحلته وقال : " السلام عليك " ، ثم افترقنا . ( 2 ) لقد جعل الإسلام للتفحص والسؤال عما يروم إليه الإنسان أخلاقية وأدبا لامعا ومنهجية علمية ، وإن أدنى ما يحققه ذلك هو التعارف بين المتفحص وبين الآخرين ، و هذا داخل في الأخلاق الاجتماعية كما تقرؤه أيضا في الموقف التالي للإمام الحسين ( عليه السلام ) حينما وصل إلى منطقة ذات عرق ( 3 ) في طريقه إلى كربلاء حيث لقيه رجل من بني أسد يقال له بشر بن غالب ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : " ممن الرجل " ؟ قال : رجل من بني أسد . قال : " فمن أين أقبلت يا أخا بني أسد " ؟ قال : من العراق .
1 - الاخبار الطوال : 248 . 2 - الارشاد : 218 ، تأريخ الطبري 3 : 296 ، وفيه : قال أبو مخنف ، عن أبي جناب عن عدى بن حرملة ، عن عبد الله بن سليم والمذري قالا : اقبلنا حتى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر فواقف حسينا ، فقال له : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب ، فقال له الحسين عليه السلام : بين لنا نبأ الناس خلفك . . . الخ . الكامل في التاريخ 2 : 547 ، وفيه بدل قوله " من قبل ومن بعد " " يفعل ما يشاء ، وبدل كلمة يبعد " يعقد " ، مثير الأحزان : 40 ، البداية والنهاية 8 : 180 إلى قوله قلوب الناس معك ، بحار الأنوار 44 : 365 ، أعيان الشيعة 1 : 594 ، وقعة الطف : 158 مثل تاريخ الطبري . 3 - ذات عرق : مهل أهل العراق ، وهو الحد بين نجد وتهامة . وقيل : عرق جبل بطريق مكة ، ومنه ذات عرق . معجم البلدان 4 : 107 .