الحزينة ، فطافت بهم الآلام ، وأيقنوا بنزول الرزء القاصم ووصف المؤرخون شدة حزنهم ، بأنه لم يكن في ذلك اليوم لا في شرق الأرض ولا في غربها أشد غما من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا أكثر باكية وباك منهم . ثم توجه الحسين ( عليه السلام ) في غلس الليل البهيم إلى قبر امه وديعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبضعته ، ووقف أمام قبرها الشريف مليا ، وهو يلقي عليه نظرات الوداع الأخير ، وقد تمثلت أمامه عواطفها الفياضة ، وشدة حنوها عليه ، وقد ود أن تنشق الأرض لتواريه معها ، وانفجر بالبكاء ، وودع القبر وداعا حارا ، ثم انصرف إلى قبر أخيه الزكي أبي محمد ، فأخذ يروي ثرى القبر من دموع عينيه ، وقد ألمت به الآلام والأحزان ، ثم رجع إلى منزله ، وهو غارق بالأسى والشجون ( 1 ) . إن هذه السلوكيات المليئة بالعواطف الجياشة لا تصدر إلا ممن عاشوا في أسرة متماسكة بالحب والاحترام وكانوا مع الأخلاق في قمم محاسنها وقلل مكارمها ، هكذا كان محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته . * الدروس المستفادة هنا : 1 - لابد للعائلة المسلمة أن تزرع في قلوب أبنائها الحب والتماسك ليظهر أثره في كل الحالات والأزمات . 2 - تعني الوداع مع الأحبة مفردة أخلاقية يفرزها الحب بينهم . 3 - في الأزمات العاصفة بالمؤمن لابد له أن يتضرع إلى الله القوي العزيز بالتوسل إلى النبي وأهل بيته ( عليهم السلام ) . E / في أدب الوصية والوداع إذا أردت سفرا يحمل في أبعاده وآفاقه أهدافا كبيرة على كافة المستويات عليك أن توصي بما يحفظ تلك الأهداف من الدس والتزوير ، هذه الأخلاقية تنبع من الأمانة وحب الخير ، وذلك ما علمنا الإمام الحسين ( عليه السلام ) حينما كتب وصيته في مدينة جده الرسول وقدمها إلى أخيه محمد بن الحنفية عند وداعه الساخن معه .
1 - حياة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ج 2 ص 259 - 261 .