responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قادتنا كيف نعرفهم ؟ نویسنده : السيد محمد هادي الميلاني    جلد : 2  صفحه : 389


( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) [1] .
من كلام لعلي بن أبي طالب عليه السّلام كان يوصي به أصحابه : " . . . ثم أداء الأمانة . فقد خاب من ليس من أهلها ، إنها عرضت على السماوات المبنيّة ، والأرضين المدحوة ، والجبال ذات الطول المنصوبة ، فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم منها ، ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة ، وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن وهو الانسان ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) إن الله - سبحانه وتعالى - لا يخفى عليه ما العباد مقترفون في ليلهم ونهارهم لطف به خبراً ، وأحاط به علماً ، أعضاؤكم شهوده ، وجوارحكم جنوده ، وضمائركم عيونه ، وخلواتكم عيانه " [2] .
روى البحراني عن الخوارزمي باسناده عن جابر ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : " إن الله تعالى لما خلق السماوات والأرض دعاهن فأجبنه فعرض عليهم نبوتي وولاية علي بن أبي طالب فقبلتاهما ، ثم خلق الخلق وفوض إلينا أمر الدين ، فالسعيد من سعد بنا والشقي من شقي بنا نحن المحللون لحلاله والمحرمون لحرامه " [3] .



[1] سورة الأحزاب : 72 .
[2] نهج البلاغة محمّد عبده طبع مصر ج 2 205 رقم / 194 .
[3] غاية المرام الباب السابع عشر ص 491 . قال العلامة الطباطبائي ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) - إلى قوله - ( غَفُوراً رَّحِيماً ) الأمانة - أياً ما كانت - شئ يودع عند الغير ليحتفظ عليه ثم يرده إلى من أودعه ، فهذه الأمانة المذكورة في الآية شئ ائتمن الله الانسان عليه ليحفظ على سلامته واستقامته ثم يرده اليه سبحانه كما أودعه ، ويستفاد من قوله ( لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ ) الخ ، أنه أمر يترتب على حمله النفاق والشرك . والايمان . فينقسم حاملوه باختلاف كيفية حملهم إلى منافق ومشرك ومؤمن . فهو لا محالة أمر مرتبط بالدين الحق الذين يحصل بالتلبس به وعدم التلبس به النفاق والشرك والايمان ، فهل هو الاعتقاد الحق والشهادة على توحده تعالى ، أو مجموع الاعتقاد والعمل بمعنى أخذ الدين الحق بتفاصيله مع الغض عن العمل به ، أو التلبس بالعمل به أو الكمال الحاصل للإنسان من جهة التلبس بواحد من هذه الأمور ؟ وليس هي الأول أعني التوحيد فان السماوات والأرض وغيرها من شئ توحده تعالى وتسبح بحمده ، وقد قال تعالى : ( وَإِن مِّن شَيْء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ) أسرى : 44 ، والآية تصرح بإبائها عنه ، وليست هي الثاني أعني الدين الحق بتفاصيله فان الآية تصرح بحمل الانسان كائناً من كان من مؤمن وغيره له ومن البين إن أكثر من لا يؤمن لا يحمله ولا علم له به ، وبهذا يظهر أنها ليست بالثالث وهو التلبس بالعمل بالدين الحق تفصيلا . وليست هي الكمال الحاصل له بالتلبس بالتوحيد فان السماوات والأرض وغيرهما ناطقة بالتوحيد فعلا متلبسة به وليست هي الكمال الحاصل من أخذ دين الحق والعلم به إذ لا يترتب على نفس الاعتقاد الحق والعلم بالتكاليف الدينية نفاق ولا شرك ، ولا ايمان ، ولا يستعقب سعادة ولا شقاء وإنما يترتب الأثر على الالتزام بالاعتقاد الحق والتلبس بالعمل ، فبقي أنها الكمال الحاصل له من جهة التلبس بالاعتقاد والعمل الصالح وسلوك سبيل الكمال بالارتقاء من حضيض المادة إلى أوج الاخلاص الذي هو أن يخلصه الله لنفسه فلا يشاركه فيه غيره فيتولى هو سبحانه تدبير أمره وهو الولاية الإلهية . فالمراد بالأمانة الولاية الإلهية وبعرضها على هذه الأشياء اعتبارها مقيسة إليها والمراد بحملها والإباء عنه وجود استعدادها وصلاحية التلبس بها وعدمه ، وهذا المعنى هو القابل لأن ينطبق على الآية فالسماوات والأرض والجبال على ما فيها من العظمة والشدة والقوة فاقدة لاستعداد حصولها فيها وهو المراد بإبائهن عن حملها وإشفاقهن منها . لكن الانسان الظلوم الجهول لم يأب ولم يشفق من ثقلها وعظم خطرها فحملها على ما بها من الثقل وعظم الخطر فتعقب ذلك أن انقسم الانسان من جهة حفظ الأمانة وعدمه بالخيانة إلى منافق ومشرك ومؤمن بخلاف السماوات والأرض والجبال فما منها إلا مؤمن مطيع ؟ فان قلت : ما بال الحكيم العليم حمل على هذا المخلوق الظلوم الجهول حملا لا يتحمله لثقله وعظم خطره ، السماوات والأرض والجبال على عظمتها ، وشدتها وقوتها ، وهو يعلم أنه أضعف من أن يطيق حمله ، وإنما حمله على قبولها ظلمه وجهله ، وأجرأه عليه غروره ، وغفلته عن عواقب الأمور ، فما تحميله الأمانة باستدعائه لها ظلماً ، وجهلا ، إلاّ كتقليد مجنون ولاية عامة يأبى قبولها العقلاء ويشفقون منها يستدعيها المجنون لفساد عقله وعدم استقامة فكره . قلت : الظلم والجهل في الانسان وإنّ كانا بوجه ملاك اللوم والعتاب فهما بعينهما مصحح حمله الأمانة والولاية الإلهية ، فان الظلم والجهل انما يتصف بهما من كان من شأنه الاتصاف بالعدل والعلم ، فالجبال مثلا لا تتصف بالظلم والجهل فلا يقال : جبل ظالم أو جاهل لعدم صحة اتصافه بالعدل والعلم ، وكذلك السماوات والأرض لا يحمل عليها الظلم والجهل لعدم صحة اتصافها بالعدل والعلم بخلاف الانسان والأمانة المذكورة في الآية وهي الولاية الإلهية وكما صفة العبودية انما تتحصل بالعلم بالله والعمل الصالح الذي هو العدل وإنما يتصف بهذين الوصفين أعني العلم والعدل الموضوع القابل للجهل والظلم فكون الانسان في حد نفسه وبحسب طبعه ظلوماً جهولا هو المصحح لحمل الأمانة الإلهية . فافهم ذلك . فمعنى الآيتين يناظر بوجه معنى قوله تعالى : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الأنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون ) ( التين : 6 ) . فقوله تعالى : ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ ) أي الولاية الإلهية والاستكمال بحقائق الدين الحق علماً وعملا وعرضها هو اعتبارها مقيسة إلى هذه الأشياء . وقوله : ( عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ ) أي هذه المخلوقات العظيمة التي خلقها أعظم من خلق الانسان كما قال : ( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) ( المؤمن : 75 ) ، وقوله : ( فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) أباؤها عن حملها وإشفاقها منها عدم اشتمالها على صلاحية التلبس وتجافيها عن قولها وفي التعبير بالحمل ايماء إلى أنها ثقيلة ثقلا لا يحتملها السماوات والأرض والجبال . وقوله : ( وَحَمَلَهَا الأنسَانُ ) أي اشتمل على صلاحيتها والتهيؤ للتلبس بها على ضعفه وصغر حجمه ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) أي ظالماً لنفسه جاهلا بما تعقبه هذه الأمانة لو خانها من وخيم العاقبة والهلاك الدائم . وبمعنى أدق لكون الانسان خالياً بحسب نفسه عن العدل والعلم قابلا للتلبس بما يفاض عليه من ذلك ، والارتقاء من حضيض الظلم والجهل إلى أوج العدل والعلم . والظلوم والجهول وصفان من الظلم والجهل معناهما من كان من شأنه الظلم والجهل نظير قولنا : فرس شموس ودابة جموح وماء طهور أي من شأنها ذلك كما قاله الرازي أو معناهما المبالغة في الظلم والجهل كما ذكر غيره ، والمعنى مستقيم كيفما كانا " ( الميزان ج 16 ص 348 ) .

389

نام کتاب : قادتنا كيف نعرفهم ؟ نویسنده : السيد محمد هادي الميلاني    جلد : 2  صفحه : 389
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست