علياً رضي الله عنه خرج يوماً من المسجد ، وقد أقبل اليه جندب بن نصير ، والربيع بن خثيم وابن أخيه همام بن عباد بن خثيم - وكان من أصحاب البرانس المتعبدين - فأفضى علي وهم معه إلى نفر فأسرعوا اليه قياماً وسلموا عليه فردّ التحية ثم قال : من القوم ؟ فقالوا : أنا من شيعتك يا أمير المؤمنين ، فقال لهم خيراً ، ثم قال : يا هؤلاء ، ما لي لا أرى فيكم سمة شيعتنا وحلية أحبتنا ؟ فأمسك القوم حياءً ، فأقبل عليه جندب والربيع فقالا له : ما سمة شيعتكم يا أمير المؤمنين ؟ فسكت ، فقال همام - وكان عابداً مجتهداً - أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم لما أنبأتنا بصفة شيعتكم ، قال : فسأنبئكم جميعاً ، ووضع يديه على منكب همام وقال : شيعتنا هم العارفون بالله العاملون بأمر الله ، أهل الفضائل الناطقون بالصواب ، مأكولهم القوت وملبوسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع ، بخعوا لله بطاعته ، وخضعوا اليه بعبادته ، مضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم واقفين اسماعهم على العلم بدينهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء ، رضاً عن الله تعالى بالقضاء ، فلو لا الآجال التي كتب الله تعالى لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى لقاء الله والثواب وخوفاً من أليم العقاب ، عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم ، فهم والجنة كمن رآها فهم على ارائكها متكئون ، وهم والنار كمن رآها فهم فيها يعذبون ، صبروا أياماً قليلة فأعقبتهم راحة طويلة ، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم