تنتحب وتبكي ، وجاءه أصهاره وبنو عمه ، فودعهم ثم خرج فلحق بالقوم . فلم يصبح سليمان بن صرد حتى أتاه نحوُ من كان في عسكره حين دخله . قال ثم دعا بديوانه لينظر فيه إلى عدة من بايعه حين أصبح ، فوجدهم ستة عشر ألفاً فقال : سبحان الله ما وافانا إلا أربعة آلاف من ستة عشر ألفاً . . . فقام سليمان بن صرد في الناس متوكئاً على قوس له عربية فقال : أيها الناس من كان إنما أخرجته إرادة وجه الله وثواب الآخرة ، فذلك منا ونحن منه فرحمة الله عليه حياً وميتاً . ومن كان إنما يريد الدنيا وحرثها ، فوالله ما نأتي فيئاً نستفيؤه ولا غنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله رب العالمين ، وما معنا من ذهب ولا فضة ولا خز ولا حرير ، وما هو إلا سيوفنا في عواتقنا ورماحنا في أكفنا ، وزاد قدر البلغة إلى لقاء عدونا ، فمن كان غير هذا ينوي فلا يصحبنا ! فقام صخير بن حذيفة بن هلال بن مالك المزني فقال : آتاك الله رشدك ولقاك حجتك ، والله الذي لا إله غيره مالنا خير في صحبة من الدنيا همته ونيته . أيها الناس : إنما أخرجتنا التوبة من ذنبنا والطلب بدم ابن ابنة نبينا ( ص ) ، ليس معنا دينار ولا درهم ، إنما نقدم على حد السيوف وأطراف الرماح ! فتنادى الناس من كل جانب : إنا لا نطلب الدنيا وليس لها خرجنا ) . انتهى . وجعل التوابون طريقهم على قبر الإمام الحسين « عليه السلام » فزاروه وأقاموا عنده يومين في ملحمة عاطفية روحية ، نورد خلاصتها من رواية الطبري : 4 / 456 ، قال : ( لما انتهى سليمان بن صرد وأصحابه إلى قبر الحسين نادوا صيحة واحدة : يا رب ، إنا قد خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، وارحم حسيناً وأصحابه الشهداء الصديقين . وإنا نشهدك يا رب أنا على مثل ما قتلوا عليه ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ !