دلالة تلك الروايات على إجازة الإمام الصادق « عليه السلام » لزيد « رحمه الله » ، لكني وجدتها قابلة للنقاش في دلالتها وصلاحيتها لرفع اليد عن الأصل ونسبة ذلك إلى الإمام « عليه السلام » . وأياً كان ، فعلى تقدير إجازة الأئمة « عليهم السلام » لثورة زيد « رحمه الله » وثورة الحسين بن علي صاحب فخ « رحمه الله » فقد كانت إجازة محدودة لتحقيق هدف عبَّرَ عنه الإمام الصادق « عليه السلام » بقوله : ( إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه ) أي ليفتح باب الثورة على الأمويين بعد أن شددوا قبضتهم على الأمة ، فلم تشهد البلاد ثورة من بعد ثورة المختار قبل أكثر من خمسين سنة ! فزيد « رحمه الله » فاتح الباب لكل الثورات التي جاءت بعده ومنها ثورة العباسيين التي نجحت بعد ثورته ببضع عشرة سنة . وبذلك انفتح الباب لشباب الشيعة المتحفزين للثورة ، وكانوا شريحة واسعة يصعب عليهم أن يصبروا ويحبسوا أنفسهم على برنامج المعصوم « عليه السلام » ! وقد وجد هؤلاء في أولاد زيد « رحمه الله » منفذاً للثورة ، ونشأت بهم الحركة الزيدية والمذهب الزيدي ، الذي تبنى في فقهه أن من شروط الإمام أن يقوم بالسيف ويثور على الظالمين ويعمل لتسلم السلطة . وعلى القول بإجاز ثورة زيد « رحمه الله » يكون ذلك استثناءً من خط الأئمة « عليهم السلام » العام ، لغرض تحقيق أهداف في تلك المرحلة التأسيسية من حياة الأمة . فقد جاءت ثورة زيد « رحمه الله » في سنة 120 هجرية ، بعد أمجاد أبيه زين العابدين وأخيه الباقر « صلى الله عليه وآله » ، وفي إمامة عمه الإمام الصادق « عليه السلام » . وبعد أن سيطر عبد الملك بن مروان على الدولة الإسلامية ، وانتصر على ثورة التوابين والمختار في العراق ، وعلى ابن الزبير في العراق والحجاز ، وَوَرَّثَ الدولة لأولاده ، فأعادوا بسط الظلم الأموي بأشد من زمن معاوية ، وبدأت بوادر حركات الحسنيين والعباسيين . . في مثل هذا الجو أجاز الأئمة « عليهم السلام » لزيد أن يثور ، ثم لم يجيزوا لأحد من بعده إلا