رجليه [1] فبدت سوأته ، فصرف عليّ عنه وجهه راجعاً إلى عسكره وهو يقول : عورة المؤمن حمى ، فقام عمرو فركب فرسه وأقبل على معاوية فجعل معاوية يضحك [2] منه ، فقال عمرو : ممّ تضحك ؟ والله لو تكن أنت وبدا له من صفحتك ما بدا [ له ] من صفحتي لصرت كذلك وما أقالك ، فقال له معاوية : لو كنت أعلم أنّك ما تحمل مزاحاً ما مازحتك ، فقال عمرو : وما أحملني للمزاح ولكنّي رأيت أن لقي رجل رجلا قصد أحدهما على الآخر انفطر السماء دماً ، فقال معاوية : ولكنها سوأة تعقب فضيحة الأبد ، أما والله لو عرفته ما قدمت عليه . والى ذلك أشار أبو فراس بقوله : ولا خير في دفع [3] الردى بمذلّة * كما ردّها يوماً بسوأته عمرو ثمّ إن فارساً من فرسان معاوية كان مشهوراً بالشجاعة يقال له بُسر بن أرطاة [4]
[1] في ( أ ) : رجله . [2] المصدر السابق : 2 / 44 مع اختلاف يسير في اللفظ . [3] في ( أ ) : ردّ . [4] هو بُسر بن أرطاة ويقال : ابن أبي أرطاة ، واسمه عمير بن عويمر بن عمران القُرشيّ العامري : كان من شيعة معاوية ، نزيل الشام مات سنة ( 86 ه ) وهو أحد فراعنة الشام وكان مع معاوية بصفين ، فأمره أن يلقى علياً في القتال . وقال له : سمعتك تتمنّى لقاءه ، فلو أظفرك الله به وصرعته حصلت على دنيا وآخرة ولم يزل يشجّعه ويُمنّيه حتّى رآه . فقصده في الحرب فالتقيا ، فطعنه عليٌّ فصرعه ، فانكشف له فكفّ عنه كما عرض له ذلك مع عمرو بن العاص . اختلفوا في أنّ بُسراً أدرك النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وسمعه أم لاَ . وقالوا : إنّه لم يكن له استقامة بعد النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان من أهل الردّة وقد دعا عليه عليٌّ ( عليه السلام ) لمّا بلغه أنه يقتل الصبيان من المسلمين فقال ( عليه السلام ) : اللّهمّ أسلب دينه ، ولا تخرجه من الدنيا حتّى تُسْلِبهُ عقله ، فأصابه ذلك وفقدَ عقله ، وكان يهذي بالسيف ويطلبه ، فُيؤتى بسيف من خشب ، ويجعل بين يديه زِقٌّ منفوخٌ ، فلا يزال يضربه حتّى يَسأم ، وتوفّي في أيّام معاوية . وقالوا : دخل المدينة فخطب الناس ، وشتمهم وتهدّدهم يومئذ وتوعّدهم وقال : شاهت الوجوه . ولمّا دخل اليمن ولقي ثَقَل عبيد الله بن العباس ، وفيه ابنان له صغيران ، فذبحهما بيده بمُدية كانت معه ، ثمّ انكفأ راجعاً إلى معاوية . فقالت له امرأةٌ له : يا هذا قتلت الرجال ، فعلام تقتل هذين ؟ والله ما كانوا يُقتَلون في الجاهلية والإسلام ، والله يا ابن أرطاة إنّ سلطاناً لاَ يقوم إلاّ بقتل الصبيّ الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء . قالوا : فولهت عليهما أُمّهما ، وكانت لاَ تعقل ، ولا تصغي إلاّ لمن يخبرها بقتلهما ، ولا تزال تنشدهما في الموسم : هامن أحسَّ بابنيَّ اللّذين هما * كالدُرّتين تَشَظّى عنهما الصَدفُ * إلى آخر الأبيات . ولسنا بصدد بيان حياة بُسر ، والكتب الّتي ترجمته أو ذكرت نبذة من أُموره الشنيعة كثيرة ، وقد ذكر أساميها في تعليقة 66 من كتاب الغارات ، فراجع . نحن نحيل القارئ الكريم إلى المصادر الّتي تحت أيدينا فليلاحظها : الاستيعاب : 64 - 67 ، وقعة صفين : 462 ط 2 سنة 1382 ه و ط 2 تحقيق عبد السلام هارون المؤسّسة العربية الحديثة ، ومنشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم لسنة 1404 ه : 44 و 157 و 305 و 412 و 424 و 429 و 459 و 460 و 462 و 504 و 507 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 301 ، الأغاني : 15 / 45 ، تهذيب ابن عساكر : 3 / 220 ، تاريخ الطبري : 6 / 80 ، و : 4 / 20 وما بعدها ط أُخرى ، كتاب الغارات برواية ابن أبي الحديد في شرح النهج تحقيق محمّد أبو الفضل : 2 / 3 - 14 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 141 ، تهذيب التهذيب : 1 / 436 ، تاريخ دمشق : 3 / 222 ، نهاية الأرب للقلقشندي : 371 ، مروج الذهب بهامش ابن الأثير : 6 / 93 ، الجمهرة : 228 و 391 ، أُسد الغابة : 3 / 340 ، و : 1 / 180 ، ابن الأثير : 3 / 153 ، كشف اليقين : 158 ، المعارف لابن قتيبة : 122 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 39 و 92 ، وما بعدها ، الإمامة والسياسة : 1 / 123 و 148 و 150 .