ولمّا انقضت وقعة الجمل اتفق حرب صفّين [1] المشتمل على وقايع يضطرب لها فؤاد الجليد ، ويشيب لها فؤاد الوليد ، ويجبن منها قلب البطل الصنديد ، وذلك أنّ علياً ( عليه السلام ) لمّا عاد من البصرة بعد فراغه من الجمل قصد الكوفة وأرسل إلى جرير بن عبد الله البجلي [2] وكان عاملا على هَمدان [3] استعمله عليها
[1] صِفِّين : ما بين أعالي العراق وبلاد الشام ، تلك البلدة الّتي خلّدها التاريخ ، وتلك الحرب الّتي استنفدت من الدم المهراق مائة يوم وعشرة أيام ، بلغت فيها الوقائعُ تسعين وقعةً . كانت حرباً ضروساً أو شكت أن تُفني المسلمين وتذهب بمجدهم وتمحو آثارهم ، فما كاد المسلمون ينزلون عن خيلهم بعد وقعة الجمل سنة 36 ه ، حتّى اعتلَوْها مرةً أُخرى في حرب صفّين ، لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء من تلك السنة ، وكان الباعث عليها كالباعث على حرب الجمل وهو حبّ الدنيا والعداوة للرسول وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، ولو كانت هذه الحرب في نصرة الإسلام لجرت على الإسلام خيراً كثيراً بقدر ما جرت عليه من الضرر أو أكثر . ( انظر أعيان الشيعة : 1 / 465 ، معجم البلدان ( صفّين ) ، وقعة صفين لنصربن مزاحم تحقيق وشرح عبد السلام محمّد هارون الطبعة الثانية منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي / المؤسّسة العربية الحديثة : 131 ، والفهرست لابن النديم : 137 و 144 . وانظر ابن خلّكان : 1 / 506 ، الطبري في تاريخه : 5 / 235 ، و : 6 / 2 - 40 ، المعارف : 36 ، الاشتقاق : 152 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 287 ، وغيرهم كثير . [2] جرير بن عبد الله بن جابر ، يكنى أبا عمرو من قبيلة " بجيلة " قدم إلى النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) سنة عشر في رمضان وبايعه وأسلم . وكان عمر بن الخطّاب يقول : جرير يوسف هذه الأُمّة ، لحُسنه ، واشترك في الفتوح زمن عمر ، توفّي بالشراة بقرقيسيا سنة احدى وخمسين ، أو أربع وخمسين ، في ولاية الضحّاك بن قيس على الكوفة . ( انظر الإصابة : 1 / 233 ، أُسد الغابة : 1 / 279 - 280 ، المعارف لابن قتيبة : 292 ) . [3] وردت أيضاً بلفظ ( همذان ) وهما لغتان ، فلغة الإعمال هي الفارسية ، وبالإعجام معرّبة . ( انظر معجم استينجاس : 1509 ) .