بعيد وأنت إلى غد أحوج منك إلى أمس ، فاعرف إحساني وأستبق مودّتى لغد ، ولا تقل مثل هذا فإنّي لم أزل لك ناصحاً [1] . ودخل عليّ ( عليه السلام ) البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتّى الجرحى والمستأمنة [2] . ثمّ راح إلى عائشة وهي في بيت عبد الله بن خلف وهي أعظم دار بالبصرة ، فسلّم عليها وجلس إليها [3] . ثمّ إنّ عائشة سألت عن الناس ومن قُتل منهم ممّن كان معها ومع عليّ ، فكلّما نعى واحد من الفئتين قالت : يرحمه الله ، فقيل لها : كيف ذلك ؟ ! قالت : كذلك قال رسول الله فلان في الجنة وفلان في الجنة . وقال عليّ ( عليه السلام ) : إنّي لأرجو أن لاَ يكون أحد قُتل منّا ومنهم وقلبه نقي مخلص لله تعالى إلاّ أدخله الله الجنة [4] . ثمّ إنّ علياً ( عليه السلام ) جهّز عائشة بكلّ ما ينبغي لها من مركب وزاد [ ومتاع ] وغير ذلك وبعث معها كلّ من نجا ممّن كان معها في الوقعة من أصحابها إلاّ من أحبّ [5] المقام [6] ، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المخبورات المعروفات سيّرهنّ معها وسيّر معها أخاها محمّد بن أبي بكر [7] .
[1] المصادر السابقة . [2] المصادر السابقة ، وانظر تاريخ الطبري : 3 / 543 - 544 . [3] تقدّمت تخريجاته وانظر تاريخ الطبري : 3 / 543 . [4] انظر تاريخ الطبري : 3 / 542 . [5] في ( أ ) : أحبّها لإقامة . [6] المصدر السابق : 3 / 547 وذكر الطبري أيضاً في : 3 / 545 عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : لمّا فرغوا يوم الجمل أمرني الأشتر فانطلقت فاشتريت له جملا بسبعمائة درهم من رجل من مَهرة فقال : انطلق به إلى عائشة فقل لها : بعث به إليك الأشتر مالك بن الحارث وقال هذا عوض من بعيرك ، فانطلقت به إليها فقلت : مالك يقرئك السلام ويقول : إنّ هذا البعير مكان بعيرك ، قالت : لاَ سلّم الله عليه إذ قتل يعسوب العرب - تعني ابن طلحة - وصنع بابن أُختي مأصنع قال : فرددته إلى الأشتر واعلمته . قال : فأخرج ذراعين شعراوين وقال : أرادوا قتلي فما أصنع ؟ [7] انظر تاريخ الطبري : 3 / 547 مع اختلاف يسير في اللفظ ، وذكر العلاّمة المجلسي في البحار ط القديم : 8 / 419 نقلا عن كتاب إبطال توبة الخاطئة عن إبراهيم بن عروة عن ثابت عن أبيه عن حبة العرني أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعث إلى عائشة محمّداً أخاها ( رحمه الله ) وعمّار بن ياسر ( رحمه الله ) إن إرتحلي وألحقي بيتك الّذي تركك فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : والله لاَ أريم هذا البلد أبداً . فرجعا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأخبراه بقولها فغضب ثمّ ردّهما إليها وبعث معهما مالك الأشتر فقال : والله لتخرجنّ أو لتحملنّ احتمالا . ثمّ قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يا معشر عبد القيس ، أندبوا إلى الحرّة الخيرة من نسائكم ، فإن هذه المرأة من نسائكم فانّها قد أبت أن تخرج لتحملوها احتمالا ، فلمّا علمت بذلك قالت لهم : قولوا له فليجهّزني ، فأتوا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فذكروا له ذلك ، فجهزّها ، وبعث معها بالنساء . . . وعن زياد الضبي قال : سمعت الأحنف بن قيس يقول : بعث عليّ ( عليه السلام ) إلى عائشة أن ارجعي إلى الحجاز ، فقالت : لاَ أفعل . فقال لها : لئن لم تفعلي لأرسلنّ إليك نسوة من بكر بن وائل بشفار حداد يأخذنك بها ، قال : فخرجت حينئذ . وعن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الجليل إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعث عمّار بن ياسر إلى عائشة أن ارتحلي ، فأبت عليه ، فبعث إليها بامرأتين وامرأة من ربيعة معهنّ الإبل ، فلما رأتهنّ ارتحلت . وعن محمّد بن عليّ بن نصر عن عمر بن سعد أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) دخل على عائشة لمّا أبت الخروج ، فقال لها : يا حميراء إرتحلي وإلاّ تكلّمت بما تعلمين ، قالت : نعم أرتحل ، فجهّزها وأرسلها ومعها أربعين امرأة من عبد قيس . . . وذكر العلاّمة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ : 79 مثل ذلك مع اختلاف يسير حيث قال : لمّا بعث عليّ ( عليه السلام ) عبد الله بن عباس يأمرها بالمسير إلى المدينة فدخل عليها ابن عباس بغير إذن فقالت له : أخطأت السنّة دخلت علينا بغير إذن ، فقال لها : لو كنت في البيت الّذي خلّفك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما دخلنا عليك بغير إذنك . . . وقال هشام بن محمّد : فجهّزها عليّ ( عليه السلام ) أحسن الجهاز ودفع لها مالا كثيراً وبعث معها أخاها عبد الرحمن بثلاثين رجلا وعشرين امرأة من أشراف البصرة وذوات الدين من همدان وعبد القيس ، وألبسهنّ العمائم وقلّدهنّ السيوف بزيّ الرجال وقال : لهنّ : لاَ تعلمنها أنكنّ نسوة ، وتلثّمن وكنّ حولها ولا يقربنها رجل وسرن معها على هذا الوصف ، فلمّا وصلت إلى المدينة قيل لها : كيف كان مسيرك ؟ فقالت : بخير ، والله لقد أعطى فأكثر ولكنه بعث رجالا معي أنكرتهم ، فبلغ ذلك النسوة فجئن إليها وعرفنها أنّهنّ نسوة فسجدت وقالت : والله يا ابن أبي طالب ما إزددت إلاّ كرماً ، وودت انّي لم أخرج هذا المخرج وان أصابني كيت وكيت . . . ( وانظر مقاتل الطالبيين : 42 و 43 ) . وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد : 4 / 328 ط لجنة التأليف : فجهّزها بأحسن الجهاز ، وبعث معها أربعين امرأةً ، وقيل : سبعين حتّى قدمت المدينة . وذكر ابن أعثم في الفتوح : 1 / 494 انصراف عائشة من البصرة إلى المدينة مثل ذلك باختلاف يسير في اللفظ بإضافة [ فكانت عائشة إذا ذكرت يوم الجمل تبكي لذلك بكاء شديداً ثمّ تقول : يا ليتني لم أشهد ذلك المشهد ، يا ليتني متّ قبل هذا بعشرين سنة . . . ] وذكر الطبري في : 5 / 204 والعقد الفريد : 4 / 329 والمسعودي في المروج : 5 / 197 بهامش ابن الأثير قريب من هذا اللفظ لكن الطبري قال [ فسرّحها عليٌّ وأرسل معها جماعةً من رجال ونساء وجهّزها وأمر لها باثني عشر ألفاً من المال ، فاستقلّ ذلك عبد الله بن جعفر فأخرج لها مالا عظيماً وقال : إن لم يجهزه أمير المؤمنين فهو عليَّ ] .