قميص عثمان ، وهو منصوب لهم قد ألبسوه [1] منبر مسجد دمشق ، وأصابع زوجته نائلة معلّقة فيه ، فقال عليّ ( عليه السلام ) : أمنّي يطلبون دم عثمان ؟ ! اللّهمّ إني أبرأ إليك من دم عثمان ، ما نجا والله قتلَة عثمان إلاّ أن يشاء الله ، فإنّه إذا أراد أمراً بلغه ، أُخْرُج ، قال : وأنا آمن ؟ قال : وأنت آمن ، فخرج العبسي [2] ، وأراد الناس أن يقتلوه فقالوا : ما [ ل ] - هذا الكلب رسول الكلاب يتكلّم بمثل هذا ، ولولا أمان عليّ ( عليه السلام ) لقتلناه . ثمّ [3] أحبّ أهل المدينة بعد ذلك أن يعلموا ما رأي عليّ ( رض ) في معاوية هل يقاتله أو ينكل عنه [4] ، وقد بلغهم أنّ ابنه الحسن ( رض ) دعاه [5] إلى القعود [6] .
[1] في ( أ ) : لبسوه . [2] وفي تاريخ الطبري : 3 / 464 : فخرج العبسي وصاحت السبائيه قالوا هذا الكلب هذا وافد الكلاب اقتلوه ، فنادى يا آل مضر يا آل قيس الخيل والنبل إني أحلف بالله جلّ اسمه ليردّنها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفحولة والركاب ، وتعاووا عليه ، ومنعته مضر وجعلوا يقولون له اسكت . . . ولكن الصحيح هو ما قاله ابن الصبّاغ المالكي في المتن [ ولولا أمان عليّ ( عليه السلام ) لقتلناه . . . ] [3] في ( ب ) : و . [4] في ( د ) : عليه . [5] في ( أ ) : دعا . [6] ذكر الطبري في : 3 / 465 من تاريخه : وأحبّ أهل المدينة أن يعلموا ما رأي عليّ في معاوية وانتقاضه ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة أيجسر عليه أو ينكُلُ عنه وقد بلغهم أن الحسن بن عليّ دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك الناس . . . من خلال التتبع التاريخي لم نعثر على كلمة للإمام الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) ربيب النبوّة والعصمة انّه يخاطب أبيه بهذا الخطاب الّذي لاَ يصدر من الإنسان العرفي فكيف به إذا صدر من أهل التشريع والتطهير بنصّ الآية الكريمة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) وبما نحن بصدد تحقيق الكتاب ولسنا بصدد تفنيده وكما قلنا سابقاً فتارةً نتفق معه وأُخرى نختلف معه ، فمثلا الطبري اعتمد في نقل كلام الإمام الحسن ( عليه السلام ) في : 3 / 474 عن سيف المعروف والّذي تركنا ترجمته للقارئ الكريم بمراجعة المصادر فقط حتّى يعرف هو بنفسه من هو سيف ، وفي المرة الثانية اعتمد الطبري في : 3 / 476 على صاحب جمل عائشة ، هذا أوّلا . وثانياً : أنّ ابن قتيبة ذكر ذلك في : 1 / 68 بعد أن ورد كتاب معاوية إلى عليّ ، ورأى ما فيه وهو مشتمل عليه ، وكره ذلك وقام فأتى منزله فدخل عليه الحسن ابنه ، فقال له . . . بينما الطبري يقول قال ذلك الكلام بعد أن ترك عليّ الربذة وسأله شهاب بن طارق أو طارق بن شهاب على ما ذكرنا سابقاً ، وهذا الاختلاف بحدّ ذاته كاف لنقضه . وثالثاً : حسب ما نعتقد بأنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) ربما أشار على والده ذلك من باب طرح الرأي ، وهذا ليس بغريب وطالما كان ( عليه السلام ) يشاور أصحابه فكيف بمشورة ابن العصمة وهو القائل له : أنت بعضي بل أنت كلّي . ورابعاً : أو أنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) كان يطرح السؤال والإمام يجيب على ذلك ، وهذا واضح من خلال القصة وجواب الإمام عليّ ( عليه السلام ) لابنه الحسن ( عليه السلام ) : فوالله لقد أُحيط بنا كما أُحيط به . وهذا ما نقله الطبري في : 3 / 474 ، و : 5 / 170 ط أُخرى . وخامساً : بعد كلّ هذا وذاك نقول : إنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) قد تابع الأُمور بدقة مع أبيه ( عليه السلام ) منذ أن حوصر عثمان بن عفان وكان في مقدّمة المدافعين عنه كما يذكر صاحب كتاب أنساب الأشراف في : 5 / 69 والطبري أيضاً في تاريخه : 5 / 118 ، وابن الأثير في الكامل : 3 / 68 - 70 . وخلاصة كلامهم : وبلغ علياً أنّ القوم يريدون قتل عثمان . . . فقال للحسن والحسين اذهبا بسيفيكما حتّى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحداً يصل إليه . . . فخضّب الحسن بالدماء على بابه وشبّح قنبر مولى عليّ ، فلمّا رأى ذلك محمّد بن أبي بكر خشي أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيروها فتنة فأخذ بيد رجلين فقال لهما : إن جاءت بنو هاشم فرأت الدماء على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تريدون . . . وأضاف البلاذري : أن علياً لمّا بلغه الخبر جاء وقال لابنيه : كيف قُتل وأنتما على الباب ؟ فلطم هذا وضرب صدر ذاك وخرج وهو غضبان . . . وروى الطبري أيضاً في : 5 / 113 ، والبلاذري : 5 / 69 أنه بلغ ذلك علياً - مَنع عثمان من شرب الماء - فبعث إليه بثلات قرب مملؤة فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدّة من موالي بنى هاشم . . . وفي مروج الذهب : 1 / 441 مثله ، وكذا في الفتوح لأبن أعثم : 1 / 416 . هذا من جهة ومن جهة ثانية أنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) يعلم كيفية البيعة لأبيه ( عليه السلام ) بعد مقتل الخليفة عثمان وتهافت المهاجرين والأنصار بما فيهم طلحة ، والزبير وقوله ( عليه السلام ) لهم : وأنا لكم وزيراً خيرٌ لكم منّي أميراً . ( انظر نهج البلاغة صبحي الصالح : خطبة 92 ) . وقوله ( عليه السلام ) : لا حاجة لي في أمركم ، أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به . . . وقوله ( عليه السلام ) : إنّي قد كنت كارهاً لأمركم فأبيتم إلاّ أن أكون عليكم . . . وهو الّذي ذهب إلى دار طلحة وقال له : يا أبا محمّد إن النّاس قد اجتمعوا إليَّ في البيعة ، وأمّا أنا فلا حاجة لي فيها ، فابسط يدك حتّى يبايعك الناس ، فقال طلحة : يا أبا الحسن ، أنت أولى بهذا الأمر وأحقّ به منّي لفضلك . . . بالإضافة إلى ذلك أنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) يعرف ويراقب الوفود القادمة من اليمن وغيرها تبايع أبيه ( عليه السلام ) طائعين غير مكرهين ويسمع الأبيات الشعرية في تهنئته وقوله ( عليه السلام ) : فما راعني إلاّ والناس كعُرف الضبع إليَّ ينثالون عليَّ من كلّ جانب ، حتّى لقد وطئ الحسنان وشقّ عِطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم . فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أُخرى ، وقسط آخرون ( انظر نهج البلاغة : خطبة 3 المسمّاة بالشقشقية . ولسنا بصدد شرح ذلك وإنّما نحيل القارئ إلى المصادر الّتي ذكرت ذلك والّتي تدلّ على أنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد معرفته بهذا كلّه يعترض على أبيه ( عليه السلام ) لاَ ندري ولكن نقول كما قالوا : إن عشت أراك الدهر عجباً . انظر الطبري في تاريخه : 5 / 152 ، و : 1 / 3066 ط أُوربا ، كنز العمّال : 3 / 161 ح 2471 ، ابن أعثم في تاريخه : 160 ، أنساب الأشراف : 5 / 70 ، الحاكم في المستدرك : 3 / 114 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 178 ، ابن أعثم في الفتوح : 2 / 259 ط حيدرآباد ، و : 1 / 431 - 450 دار الكتب العلمية بيروت ، الإصابة : 6 / 276 ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 65 و 70 . وسادساً : لقد كان الإمام عليّ ( عليه السلام ) يتصرّف تصرّف الحجّة فهو الّذي لم يرفع سيفاً بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) على الرغم من معرفته باغتصاب حقّه ، والإمام الحسن ( عليه السلام ) يعرف ذلك أيضاً ، لكن قتال هؤلاء وعدٌ وعهدٌ عهده إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما قال الخوارزمي في مناقبه : 125 و 221 : أخبرني سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إليَّ من همدان ، أخبرني الشيخ العالم محي السنّة أبو الفتوح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابه ، أخبرني أبو الحسين أحمد بن محمّد بن تميم الحنظلي بقنطرة بردان . . . حدّثنى جدّي سعد بن عبادة عن عليّ ( عليه السلام ) قال : أُمرت بقتال ثلاثة : الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ، أمّا القاسطون فأهل الشام ، وأمّا الناكثون فأهل الجمل ، وأمّا المارقون فأهل النهروان . وقال ابن عساكر في : 3 / 200 ط بيروت من ترجمة الإمام عليّ ( عليه السلام ) مثله عن زيد بن عليّ . . . عن عليّ قال : أمرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين . ومثله عن عليّ بن ربيعه قال سمعت علياً يقول : عهد إليَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين . ومثله عن أنس بن عمرو . . . عن عليّ قال : أُمرت بقتال ثلاثة : المارقين ، والقاسطين ، والناكثين . ومثله عن إبراهيم عن علقمة ومثله أيضاً عن خليد القصري قال : سمعت أمير المؤمنين عليّ يقول يوم النهروان : أمرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتال الناكثين ، والمارقين ، والقاسطين . وانظر مستدرك الصحيحين : 3 / 139 ، تاريخ بغداد : 8 / 340 ، و : 13 / 186 ، كنز العمّال : 6 / 72 و 82 و 88 و 155 و 319 و 392 ، و : 8 / 215 ، أُسد الغابة : 4 / 32 و 33 ، السيوطي في الدرّ المنثور تفسير سورة الزخرف آية : 41 ( فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ) ، مجمع الزوائد : 7 / 238 ، و : 9 / 235 ، فرائد السمطين : 1 / 281 و 283 ، أرجح المطالب : 602 ، الرياض النضرة : 2 / 240 . وانظر قوله ( صلى الله عليه وآله ) لعمّار : تقتلك الفئة الباغية في : صحيح البخاري : 1 / 122 ، صحيح مسلم : 4 / 2235 ، صحيح الترمذي : 5 / 669 ، مسند أحمد : 2 / 161 و 164 ، و : 4 / 197 ، و : 6 / 289 ، مسند أبي داود الطيالسي : 3 / 90 ، حلية الأولياء : 4 / 112 ، تاريخ بغداد : 13 / 186 ، و : 5 / 315 ، و : 7 / 414 ، طبقات ابن سعد : 3 / 177 ، الطرائف لابن طاووس : 1 / 103 . سابعاً : حسب اعتقادنا أنّ القائل هو أُسامة بن زيد من خلال ما قاله ابن أعثم في الفتوح الطبعة الأُولى دار الكتب العلمية بيروت : 1 / 421 قال : وأقبل أُسامة بن زيد إلى عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) فقال : يا أبا الحسن ، والله لأنّك أعزّ على سمعي وبصري ، وإنّي أُعلمك أنّ هذا الرجل - يعنى عثمان بن عفان - ليُقتل ، فأخرج من المدينة وصر إلى ضيعتك ينبع ، فإنّه إن قُتل وأنت بالمدينة شاهد رماك الناس بقتله ، وإن قُتل وأنت غائب لم يعذل بك أحد من الناس بعده ، فقال له عليّ : ويحك ، والله إنّك لتعلم أنّي ما كنت في هذا الأمر إلاّ كالآخذ بذنب الأسد ، وما كان لي فيه من أمر ولا نهي .