فعند فراغة من كتابة الكتاب جاء [1] المغيرة بن شعبة [2] فقال : ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : كتاب كتبته إلى معاوية أستقدمه فيه وأُريد أن أبعث به إليه رسولا [3] ، فقال : يا أمير المؤمنين عندي لك نصيحة فاقبلها منّي ، قال : هات ، قال : إنّه ليس أحد يتشغّب عليك غير معاوية وفي يده الشام وهو ابن عمّ عثمان وعامله ، فابعث إليه بعهده تلزمه طاعتك ، فإذا استقرّت قدماك رأيت فيه رأيك [4] . فقال عليّ كرّم الله وجهه : يمنعني من ذلك قول الله تعالى : ( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) [5] والله لاَ يراني الله مستعيناً بمعاوية أبداً ولكنّي أدعوه إلى ما نحن عليه فإن أجاب
[1] في ( ب ) : جاءه . [2] المغيرة بن شعبه بن أبي عامر بن مسعود الثقفي . أُمه امرأة من بني نصر بن معاوية ، أسلم عام الخندق وهاجر إلى المدينة ، وشهد الحديبية ، وأرسله الرسول مع أبي سفيان لهدم صنم ثقيف بالطائف ، وأُصيبت عينه يوم اليرموك ، ولاّه عمر البصرة وعزله عنها لمّا شهدوا عليه بالزنا ، ثمّ ولاّه الكوفة ، وتوفّي أميراً عليها من قبل معاوية سنة ( 50 ه ) بعد أن أحصن 300 امرأة في الإسلام وقيل بل ألف امرأة . ( انظر الإصابة : 3 / 432 ، الإستيعاب بهامش الإصابة : 3 / 368 ، أُسد الغابة : 4 / 406 ) . [3] في ( أ ) : رسول . [4] ذكر هذه القصة ابن أعثم الكوفي في الفتوح : 1 / 446 الطبعة الأُولى دار الكتب العلميّة بيروت باختلاف يسير جداً وفيه : فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ لك عندي نصيحة فاقبلها فقال عليّ : وما تلك يا مغيرة ؟ قال : لست أني أخاف عليك أحداً يخالفك ويشعث عليك إلاّ معاوية بن أبي سفيان ، لأنّه ابن عمّ عثمان والشام في يده ، فابعث إليه بعهده وألزمه طاعتك . . . فقال عليّ : ويحك يا مغيرة ! والله ما معني من ذلك إلاّ قول الله تعالى لنبيه محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) والله إلاّ يراني الله تعالىوأنا استعمل معاوية على شيء من أعمال المسلمين أبداً ، ولكني أدعوه إلى ما نحن فيه ، فإن هو أجاب إلى ذلك أصاب رشده ، وإلاّ حاكمته إلى الله عزّوجلّ . . . وذكر الطبري في تاريخه : 3 / 459 : فجاء - يعني المغيرة - حتّى دخل عليه فقال إنّ لك حقّ الطاعة والنصيحة وإنّ الرأي اليوم تحرز به ما في غد ، وإنّ الضياع اليوم تضيع . . . [5] الكهف : 51 .