أقول : فظهر أنّ المعنى هو ما ذكرنا أولا ، وقد قيل : وذلك لأن مكنون العلم عزيز المنال ، دقيق الدرك ، صعب الوصول ، يقصر عن وصوله الفحول من العلماء فضلا عن الضعفاء ، ولهذا إنما يخاطب الجمهور بظواهر الشرع ، ومجملاته دون أسراره وأغواره ، لقصور أفهامهم عن إدراكها ، وضيق حواصلهم عن احتمالها إذ لا يسعهم الجمع بين الظاهر والباطن فيظنّون تخالفهما وتنافيهما فينكرون فيقتلون ، انتهى . ثم قال رحمه الله : وأقول : بل الظاهر أنّ كلا من الخلق لا سيما المقربين يحتمل علما لا يحتمله الآخر ، كما روى الكشي بإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله : يا سلمان لو عرض علمك على مقداد لكفر ، يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر . وقال رحمه الله في شرح قوله عليه السّلام : وإنما صار سلمان من العلماء ، أي الكاملين الربانيين ، أو علماء أهل البيت عليهم السّلام ، لأنه امرؤ منّا لفرط اختصاصه بنا ، وانقطاعه إلينا ، واقتباسه من أنوارنا ، ولذا نسبته بصيغة المتكلم أو المصدر ، فتدبّر . وقال في قوله عليه السّلام : ( إلا صدور منيرة ) : بأنوار القابلية والهداية والكمال ( أو قلوب سليمة ) من الشك والشرك والحقد والنفاق كما قال تعالى : إلا من أتى الله بقلب سليم 26 : 89 [1] ( أو أخلاق حسنة ) أي ذوو أخلاق ، ولعل أوهنا للتخيير في التعبير نحو أو كصيّب من السماء ، ويؤيده أنّ في بعض الروايات بالواو . ويحتمل أن يكون المراد بالأول الملائكة ، وبالثاني الأنبياء والأوصياء ، وبالثالث العبد المؤمن الذي امتحن الله قلبه للإيمان ، على سياق ساير الأخبار أو بالأول الأنبياء والأوصياء ، وبالثاني الكمّل من المؤمنين ، وبالثالث ساير الشيعة ، بأن يكون المراد بالحديث الولاية ومعرفتهم على الكمال في الجملة .