نام کتاب : مجلة تراثنا نویسنده : مؤسسة آل البيت جلد : 5 صفحه : 260
عليه ذاك الحكم الذي كان يمارسه طيلة نقابته للطالبين . وعلى كل هذه التقادير ، كيف أمر الشريف بجلد ذلك الرجل حتى جاوز مائة خشبة ؟ مع أنه - رحمه الله - ذلك الورع التقي ، الذي اتفق الجميع على طهارته ، ونزاهته وتقواه ؟ وما نرى ذلك إلا فرية أراد الجاعل الحط بها من مكانة السيد الشريف قدس الله روحه . وقد روي عن أبي جعفر - عليه السلام - إن أمير المؤمنين - عليه السلام - أمر قنبرا أن يضرب رجلا حدا ، فغلط قنبر ، فزاده ثلاثة أسواط ، فأقاده علي عليه السلام من قنبر بثلاثة أسواط [25] . إن الشريف الرضي هو الذي يعرفه ابن الجوزي في المنتظم : كان الرضي نقيب الطالبيين ببغداد ، حفظ القرآن في مدة يسيرة ، بعد أن جاوز ثلاثين سنة ، وعرف من الفقه والفرائض طرفا قويا ، وكان عالما فاضلا وشاعرا مترسلا وعفيفا عالي الهمة ، متدينا اشترى في بعض الأيام جزازا من امرأة ، بخمسة دراهم فوجد جزءا بخط أبي علي بن مقلة ، فقال للدلال : إحضر المرأة فأحضرها ، فقال : قد وجدت في الجزاز جزءا بخط ابن مقلة ، فإن أردت الجزء فخذيه ، وإن اخترت ثمنه فهذه خمسة دراهم ، فأخذتها ، ودعت له وانصرفت [26] . فمن كان هذا مبلغ تقواه وورعه ، لا يقدم على معاقبة الزوج أمام زوجته بتلك المعاقبة الخشنة الخارجة عن حدود الشرع . هذا ابن أبي الحديد يعرفه في كتابه بقوله : كان عفيفا شريف النفس ، عالي الهمة ملتزما بالدين ، وقوانينه ، ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة [27] . وهذا الرفاعي يعرفه في صحاح الأخبار بقوله : كان أشعر قريش . وذلك لأن الشاعر المجيد من قريش ليس بمكثر ، والمكثر ليس بمجيد ، والرضي جمع بين فضلي الاكثار والإجادة ، وكان صاحب ورع وعفة ، وعدل في الأقضية ، وهيبة في النفوس [28] .