نام کتاب : مجلة تراثنا نویسنده : مؤسسة آل البيت جلد : 35 صفحه : 241
وتقريب إلى الفوز بنعيم المعاد ، وتحصيل المراد . من جهة دلالة ذلك على عدم قابلية هذه الحياة ، ودناءة مرتبة الدنيا ، وعدم لياقتها ، وأنها قنطرة إلى الآخرة . ولذا قالوا : ( الدنيا ساعة ، فأجعلها طاعة ) . فكأنهم عليهم السلام برضاهم وتسليمهم بمنزلة من خيرة الله تعالى بين البقاء في الدنيا والرحيل ، فاختار الرحيل ، وأسرع عمدا ، وعانق الموت رغبة عن الدنيا ، وشوقا إلى الآخرة [11] . وبهذا [12] يجاب عن إشكال : إنهم عليهم السلام إذا كانوا يعلمون بأوقات وفياتهم ، وأسبابها ، فلم لم يحترزوا عنها ؟ ! وكيف باشروها ، وحضروها مع قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ( الآية ( 159 ) من سورة البقرة ( 2 ) ) ؟ ! . . . ( 13 )
[11] وقد ذكر هذا في الروايات بعنوان : ( اختيار لقاء الله ) . . كما في حديث عبد الملك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : أنزل الله تعالى النصر على الحسين عليه السلام ، حتى كان بين السماء والأرض . ثم خير النصر ، أو لقاء الله . فاختار لقاء الله تعالى . الكافي - الأصول - 1 / 260 باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون ، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ، الحديث 8 . [12] هذا إشارة إلى الوجه الأخير ، بل إلى الكتاب كله ، لأن الوجوه السابقة تصلح - أيضا - للإجابة عن هذا الإشكال ، وقد تقدم منا مقال مفصل تضمن إجابة أوسع عن الإشكال ، فراجع . ( 13 ) في مخطوطة المصنف هنا بياض بمقدار نصف صفحة ولعل المصنف أراد تفصيل الإجابة عن ذلك الإشكال الذي تحدثنا نحن بالتفصيل عن أصله وكذا عن الرد عليه في مقال مستقل بعنوان : ( علم الأئمة عليهم السلام بالغيب ) وقد طبع في الصفحات 7 - 107 من هذا العدد من هذه المجلة الموقرة . ومما ذكر - في هذه الرسالة ، وفي المقالة - ظهر ما في كلام السيد الطباطبائي - رضي الله عنه - حول علم النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام بالغيب في رسالته المفردة عن الموضوع ، حيث قال بعد تفريقه بين علم الله وبين علم الأئمة ، بالأصالة في الأول والاستقلالية به ، والفرعية في الثاني والتبعية به ، ما نصه : إن من المعلوم أن الإنسان الفعال بالعلم والإرادة إنما يقصد ما يتعلق به علمه من الخير والنفع ، ويهرب مما يتعلق به علمه من الشر والضرر . فللعلم أثر في دعوة الإنسان إلى العمل ، وبعثه نحو الفعل والترك بالتوسل بما ينفعه في جلب النفع أو دفع الضرر . وبذلك يظهر أن علم الإنسان بالخير ، وكذا الشر والضرر في الحوادث المستقبلة إنما يؤثر أثره لو تعلق بها العلم من جهة إمكانها لا من جهة ضرورتها . وذلك كأن يعلم الإنسان أنه لو حضر مكانا كذا في ساعة كذا من يوم كذا قتل قطعا ، فيؤثر العلم المفروض فيه ببعثه نحو دفع الضرر ، فيختار ذلك الحضور في المكان المفروض تحرزا من القتل . وأما إذا تعلق بالضرر - مثلا - من جهة كونه ضروري الوقوع ، واجب التحقق ، كما إذا علم أنه في مكان كذا في ساعة كذا من يوم كذا مقتول لا محالة ، بحيث لا ينفع في دفع القتل عنه عمل ، ولا تحول دونه حيلة ، فإن مثل هذا العلم لا يؤثر في الإنسان أمرا ببعثه إلى نوع من التحرز والاتقاء ، لفرض علمه بأنه لا ينفع فيه شئ من العمل ، فهذا الإنسان مع علمه بالضرر المستقبل يجري في العمل مجرى الجاهل بالضرر . إذا علمت ذلك ، ثم راجعت الأخبار الناصة على أن الذي علمهم الله تعالى من العلم بالحوادث لا بداء فيه ولا تخلف ، ظهر لك اندفاع ما ورد على القول بعلمهم بعامة الحوادث من : ( أنه لو كان لهم علم بذلك لاحترزوا مما وقعوا فيه من الشر ، كالشهادة قتلا بالسيف ، وبالسم ، لحرمة إلقاء النفس في التهلكة ) ! وجه الاندفاع : أن علمهم بالحوادث علم بها من جهة ضرورتها ، كما هو صريح نفي البداء عن علمهم . والعلم الذي هذا شأنه لا أثر له في فعل الإنسان ببعثه إلى نوع من التحرز ، وإذا كان الخطر بحيث لا يقبل الدفع بوجه من الوجوه ، فالابتلاء به وقوع في التهلكة ، لا إلقاء في التهلكة ! قال تعالى : ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) . رسالة في علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام بالغيب ، للسيد محمد حسين الطباطبائي ، تحقيق رضا الأستادي ، طبع مع الرسائل الأربعة عشر ، جماعة المدرسين - قم 1415 ه . أقول : وجوه النظر فيه عديدة ، هي : 1 - عدم فرضه أن ما وقعوا فيه ، مما عده الأغيار تهلكة وشرا وضررا ، إنما هو في اعتبار الأئمة عليهم السلام خير وبر ورحمة ، كما هو عند الأخيار كافة . 2 - فرضه أن ما جرى على الأئمة من قبيل ضروري الوقوع ، واجب التحقق ، وأنه لا بداء فيه ، يقتضي الجبر لعدم تمكنهم من التخلص منه . وهو مناف لصريح الروايات الدالة على اختيارهم لما وقع ، وأنهم لو شاؤوا لم يقع . 3 - وفرضه أن العالم بالضرر يجري في العمل مجرى الجاهل ، ينافي إثبات العلم لهم ، فإنه لو فقد أثره لم يفرق في ذلك في مقام العمل بينه وبين الجاهل ، فمحاولة فرضه وإثباته لغو لا محالة . 4 - وفرضه أن علمهم لا بداء فيه ، مخالف للنصوص الدالة على أنهم يختارون ذلك رغبة في لقاء الله ، ورفضا للحياة الدنيا ، مع تخييرهم في ذلك . 5 - وفرضه أن ما جرى عليهم وقوع في التهلكة ، ينافي إصرارهم عليهم السلام على ما أقدموا عليه ورفضهم لكل أنواع التحذيرات والتوسل بهم لدفعهم على الامتناع ، كما أعلنت عنها السيرة الشريفة لكل منهم . 6 - وأما استشهاده بالآية ، فغير مرتبط بالمقام ، لأنها : أولا : في مقام تبكيت المنافقين الذين قد أهمتهم أنفسهم والذين يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية . فأين هؤلاء من الذين طلبوا الشهادة ، واستيقنت بها أنفسهم ، وأعلنوها ( فوزا ) مقسمين ( برب الكعبة ) ؟ ! وثانيا : إن ما دل من الأخبار الصحيحة ، والمشهورة ، والسيرة الموثوقة ، تخصص الأئمة عليهم السلام بكون موتهم باختيارهم كما عنون لذلك ثقة الإسلام الكليني في الباب الذي عنونه ب : ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ، وأن ذلك باختيارهم ) . وبالله التوفيق وهو المستعان .
241
نام کتاب : مجلة تراثنا نویسنده : مؤسسة آل البيت جلد : 35 صفحه : 241