البرهان الرابع لإبطال الجبر قد عرفت أن حقيقة الوجود حقيقة واحدة ذات مراتب وليست المرتبة سوى نفس الوجود ، وأن الشدة والضعف يرجع في واقعها إلى الوجود ، فإذا كانت حقيقة الوجود كذلك فلا يصح أن يكون مؤثرا في مرتبة عليا كالواجب ، دون المراتب الدانية مع وحدة الحقيقة . وما ربما يقال من أن التأثير من لوازم المرتبة الشديدة دون الضعيفة ، غير تام ، وذلك لما مر من أن الشدة ليست إلا نفس الوجود لا أمرا زائدا عليه ، فلو كان الوجود الشديد مؤثرا فمعناه أن حقيقة الوجود هي التي تلازم التأثير ، فإذا كان كذلك فالوجود يكون مؤثرا في جميع المراتب عالية كانت أو دانية ، ولأجل ذلك قال الحكماء : إن حقيقة الوجود عين المنشئية للآثار ولا يمكن سلبها عنه ، فسلب الآثار ولو في مرتبة من المراتب غير ممكن لاشتمالها على حقيقة الوجود وهو خلاف المفروض . إلى هنا تم الكلام في إبطال الجبر والتفويض ، بقي الكلام في إثبات المذهب المختار ، أي الأمر بين الأمرين ، والمنزلة بين المنزلتين .