بالأسلوب البياني والنظم البلاغي ، وسيبقى هكذا ، لأن المقارنة بين الأسلوب القرآني وأساليب العرب في انتاجهم الأدبي ممكنة وجارية حتى الآن ، وذلك لبقاء الشعر الجاهلي الذي يمثل قمة النضج للأسلوب الأدبي العربي قائما عندنا ومدونا وفي متناول المراجعة . قال : فإذا صح أن الاعجاز كائن في رصف القرآن ونظمه وبيانه بلسان عربي مبين وأن خصائصه مباينة للمعهود من خصائص كل نظم وبيان تطيقه قوى البشر في بيانهم ، لم يكن لتحديهم به معنى الا أن تجتمع لهم وللغتهم صفات بعينها : أولها : ان اللغة التي نزل بها القرآن معجزا ، قادرة بطبيعتها هي ، أن تحتمل هذا القدر الهائل من المفارقة بين كلامين : كلام هو الغاية في البيان فيما تطيقه القوى . وكلام يقطع هذه القوى ببيان ظاهر المباينة له من كل الوجوه . ثانيها : أن أهلها قادرون على ادراك هذا الحجاز الفاصل بين الكلامين . وهذا ادراك دال على أنهم قد أوتوا من لطف تذوق البيان ، ومن العلم باسراره ووجوهه قدرا وافرا يصح معه أن يتحداهم بهذا القرآن ، وأن يطالبهم بالشهادة عند سماعه أن تاليه عليهم نبي من عند الله مرسل . ثالثها : ان البيان كان في أنفسهم أجل من أن يخونوا الأمانة فيه ، أو يجوزوا عن الانصاف في الحكم عليه . فقد قرعهم وعيرهم وسفه أحلامهم وأديانهم ، حتى استخرج أقصى الضراوة في عداوتهم له . وظل مع ذلك يتحداهم ، فنهتهم أمانتهم على البيان عن معارضته ومناقضته . وكان أبلغ ما قالوه : وقد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا . . ولكنهم كفوا ألسنتهم فلم يقولوا شيئا . هذه واحدة .