أي أن من يسمعه أو يقرأه يحكم بأنه ليس من كلام البشر ، وبذلك يكون دليلا على أن تاليه عليهم - وهو بشر مثلهم - نبي من عند الله مرسل . فمن هذا الوجه طولب العرب بالاقرار والتسليم ، ومن هذا الوجه تحيرت العرب فيما تسمع من كلام يتلوه عليهم رجل منهم تجده من جنس كلامها لأنه نزل بلسانهم لسان عربي مبين - ثم تجده مباينا لكلامها . فهم يتبينون في نظمه وبيانه انفكاكه من نظم البشر وبيانهم من وجه يحسم القضاء بأنه كلام رب العالمين . ويستخلص من هذا أمور : الأول : ان قليل القرآن وكثيره في شأن الاعجاز سواء . الثاني : ان الاعجاز كائن في رصف القرآن وبيانه ونظمه ، ومباينة خصائصه للمعهود من خصائص كل نظم وبيان في لغة العرب ، ثم في سائر لغات البشر ، ثم في بيان الثقلين جميعا : إنسهم وجنهم متظاهرين . الثالث : ان الذين تحداهم بهذا القرآن قد أوتوا القدرة على الفصل بين الذي هو من كلام البشر والذي هو ليس من كلامهم . الرابع : ان الذين تحداهم به كانوا يدركون أن ما طولبوا به من الاتيان بمثله ، أو بعشر سور مثله مفتريات ، هو هذا الضرب من البيان الذي يجدون في أنفسهم أنه - خارج من جنس بيان البشر . الخامس : ان هذا التحدي لم يقصد به الاتيان بمثله مطابقا لمعانيه ، بل أن يأتوا بما يستطيعون افتراءه واختلاقه ، من كل معنى أو غرض ، مما يعتلج في نفوس البشر . السادس : ان هذا التحدي للثقلين جميعا انسهم وجنهم متظاهرين ، تحد ومستمر قائم إلى يوم الدين . السابع : ان ما في القرآن من مكنون الغيب ، ومن دقائق التشريع ، ومن عجائب آيات الله في خلقه ، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الاعجاز ، وان كل ما