فجاء بين الكتفين فأدخل خرطومه قبل قلبه فوسوس إليه فذكر اللَّه فخنّس وراءه ولذلك سمّي بالخنّاس لأنّه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر في القلب .
ولعلّ لهذا السرّ كان صلَّى اللَّه عليه وآله يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصّاه جبرئيل بذلك لأمّته لتضعيف مادّة الشيطان وتضييق مرصده لأنّه يجري بوسوسته مجرى الدم في بني آدم وكذلك كان خاتم النبوّة بين كتفيه إشارة إلى عصمته من وسوسته لقوله صلَّى اللَّه عليه وآله « أعانني اللَّه عليه ، وإنّ شيطاني قد أسلم » المراد أنّه عجز واستسلم قرينه وما أسلم قرين آدم عليه السّلام فوسوس إليه .
ويجوز أن يدخل الشيطان في الأجسام وإن كان في الأصل من نار لكن ليس بمحرق لأنّه لمّا امتزج النار بالهواء صار تركيبه مزاجا مخصوصا وهو جسم لطيف فيدخل وقال سبحانه : * ( [ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ] ) * والصدر هو ساحة القلب وبيته فمنه تدخل الواردات على القلب فالصدر بمنزلة الدهليز * ( [ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ] ) * الجنّة جماعة الجنّ و « من » بيان للَّذي يوسوس على أنّه ضربان جنّيّ وإنسيّ كما قال « 1 » : « شَياطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ » والموسوس إليه نوع واحد وهو الإنس لأنّه لم يرد دليل على أنّ الجنّيّ يوسوس في صدور الجنّي ، فكما أنّ شيطان الجنّ يوسوس تارة ويخنّس أخرى كذلك شيطان الإنس يلقي الأباطيل في صورة الناصح فانّ زجره السامع يترك الوسوسة ويخنّس وإن قبل السامع كلامه بالغ فيه .
وحاصل المعنى أنّه سبحانه أمر العبد أن يستعيذ من شرّ وسوسة الجنّ والإنس أو أن يستعيذ من شرّ الجنّ والإنس . وفي هذا إشارة إلى أنّ الضرر يلحق من جهة هؤلاء وأنّهم قادرون على ذلك ولولاه لما حسن الأمر بالاستعاذة منهم .
روى العيّاشي عن جعفر بن محمّد قال : قال رسول اللَّه : ما من مؤمن إلَّا ولقلبه في صدره أذنان اذن ينفث فيها الملك واذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس يؤيّد اللَّه