مراعاة لحسن الأدب في الذكر استهجانا لذكر الروث كما كنّى بالأكل في قوله « 1 » :
« كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ » عمّا يلزم الأكل من البول والتغوّط ، ومن كان اعتماده بقوّته وسطوته أهلكه اللَّه بأضعف خلقه فإنّهم لمّا كان اعتمادهم على الفيل من حيث إنّهم زعموا أنّه أقوى خلق اللَّه أهلكهم بأضعف خلق من خلقه وهو الطير الَّذي حجم كلّ واحد منها لا يعادل عشرة مثاقيل شبيهة بالزرزور أو هي الزرزور يقال له بالفارسيّة « سار » وسمّي زرزور لتزرزره .
وما به قتلوا من الحجارة أصغر من الحمّصة وأكبر من العدسة وكان هذا الأمر من أعظم المعجزات أظهره اللَّه إمّا على طريق الإرهاص « 2 » لنبوّة نبيّنا صلَّى اللَّه عليه وآله فإنّه صلَّى اللَّه عليه وآله ولد في ذلك العام .
وقال قوم من المعتزلة : إنّه كان معجزة لنبيّ من الأنبياء وربّما قالوا : هو خالد بن سنان لكن لا نحتاج إلى هذه التكلَّفات بل يكون هذا الأمر تشريفا وتعظيما وحفظا لبيته تعالى على أنّه حجّة لائحة لظهور الحقّ وإبطال لأقوال الملاحدة وو الفلاسفة المنكرين للآيات الخارقة فإنّ هذا الأمر لا يمكن أن يستند إلى الطبع كما نصبوا الصيحة والريح العقيم وغيرها ممّا أهلك اللَّه تعالى به الأمم الماضية إلى ذلك إذ لا يمكنهم أن يروا في أسرار الطبيعة إرسال جماعات من الطير ومعها أحجار معدّة لهلاك قوم معيّنين قاصدة إيّاهم دون غيرهم فترميهم بها فتهلكهم ولا يتعدّى ذلك الأمر إلى غيرهم ولو واحدا .
وليس لأحد أن ينكر هذا الأمر لأنّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله لمّا قرء هذه السورة على أهل مكّة مع عنادهم وإنكارهم لم ينكروا هذا الأمر بل أقرّوا وكانوا قريبي العهد بأمر الفيل فلو لم يكن لذلك الأمر حقيقة لأنكروه وجحدوه بل أكثروا في هذا الأمر في أشعارهم وناديهم فمن ذلك ما قاله ابن أبي الصلت :
إنّ آيات ربّنا بيّنات ما يماري فيهنّ إلَّا الكفور