إنّما المجنون من يكفر باللَّه الَّذي له ملك السماوات والأرض فمدّها بين أربعة أوتاد يعذّبها ففتح اللَّه لها بابا إلى الجنّة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت : « 1 » « ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله » فقبض اللَّه روحها وأسكنها الجنّة .
* ( [ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ ] ) * أي عادا وثمود وفرعون تجبّروا في البلاد على أنبياء اللَّه وعملوا فيها بمعصية اللَّه * ( [ فَأَكْثَرُوا فِيهَا ] ) * في البلاد * ( [ الْفَسادَ ] ) * من القتل والمعصية .
ثمّ بيّن ما فعله بهم عاجلا قال : * ( [ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ ] ) * السوط الجلد المفتول الَّذي يضرب به وهو عبارة عمّا حلّ بهم من فنون العذاب وهي الريح لعاد والصيحة لثمود والغرق للقبط وتسميته سوطا للإشارة إلى أنّ ذلك بالنسبة إلى ما أعدّ لهم في الآخرة بمنزلة السوط .
قال أبو حيّان : استعير السوط للعذاب لأنّه يقتضي التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ، والسوط عند العرب أشدّ العذاب لأنّ فيه الذلَّة والتعبير عن إنزال العذاب بالصبّ للإيذان باستمراره وتتابعه وكثرته ونسبة العذاب إلى السوط وبالصبّ لبيان التتابع المتدارك على المضروب بقطرات المصبوب .
* ( [ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ] ) * المرصاد المكان الَّذي يترقّب فيه الراصدون مفعال من رصده كالميقات من وقته ، والباء للظرفيّة ، إنّه لفي المكان الَّذي تعبر فيه السابلة وليس مصيرهم إلَّا إلى اللَّه ، شبّه سبحانه ترقّبه على أعمالهم بحال من قصد على طريق القافلة يترصّدهم ليظفر بالجائي لأخذ المكسّ « 2 » ولا مخلص لهم من العبور إلَّا إلى ذلك الطريق وعن الصادق عليه السّلام أنّه قال : المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة عبد وروي عن ابن عبّاس في هذه الآية قال : إنّ على جسر جهنّم سبع محابس يسأل العبد عندها أوّلها عن شهادة أن لا إله إلَّا اللَّه فإنّ جاء بها تامّة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة فإن جاء بها تامّة جاز إلى الثالث فيسأل عن الزكاة
