فضرب جبرئيل على فمه بالوحل وقيل له : * ( آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) * » . ألم تسمع اللَّه يقول : * ( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ) * « 2 » .
أتدفع السيئة العاجلة بالتوبة الآجلة ؟ ألم تر أن كثيرا ممن تقحم الشهوات واجترح السيئات قد تبدلت فطرتهم وتغيرت خلقتهم ، كما أشير إليه بقوله :
* ( فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه ) * « 3 » فلم يلتفتوا بعد ذلك إلى التوبة ، ولم يخطر ببالهم قبح الخطيئة ، فلما صرف اللَّه قلوبهم وعميت أبصارهم فلم يبصروا عيوبهم ، فهل كان ذلك التغير إلا من ملازمة الشهوات ، وهل تأمن أن تكون مثلهم بعد تكرر الفعل الموجب لحصول الملكة ، وعند ذلك يميل القلب إلى قول الملك ، فلا يزال يردّد بين الجندين متجاذبا إلى أن يغلب على القلب ما هو أولى به ، فإن كانت الصفات التي في القلب الغالب عليها الصفات الشيطانية غلب الشيطان ، ومال القلب إلى حزب من أحزابه معرضا عن حزب اللَّه وأولياءه ، فيكله اللَّه تعالى إلى نفسه في حال المعصية ، ويفارقه روح الإيمان ، كما ورد « ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن » « 4 » .
أو مطلقا . نعوذ باللَّه من ذلك ، فيعود إلى الصنف الثاني ويفارقه العقل الذي به يطاع الرحمن ويكتسب الجنان * ( أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلى قُلُوبِهِمْ وسَمْعِهِمْ وأَبْصارِهِمْ وأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ ) * « 5 » .
