وأمّا المقام الثاني فلعلّ الخطب فيه سهل بعد التدبّر في الآيات المفسرة عن أهل البيت عليه السّلام إن لم تكن على قلوب أقفالها وكذا بملاحظة الأخبار المتواترة المذكورة في مواضع شتّى بل يستفاد ذلك أيضا من بعض الخطب والأدعية والزيارات المأثورة عنهم عليهم السّلام .
ففي الخطبة الأميرية الغديرية : وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، استخلصه في القدم على ساير الأمم على علم منه به انفرد عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس انتجبه وآمرا وناهيا عنه ، أقامه في ساير عالمه في الأداء مقامه إلى قوله :
واختصّه من تكرمته بما لم يلحقه فيه أحد من بريّته ، فهو أهل ذلك لخاصته وخلَّته ، إذ لا يختصّ من يشوبه التغيير ولا يخالل « 1 » من يلحقه التظنين ، وإنّ اللَّه اختصّ لنفسه من بعد نبيّه صلَّى اللَّه عليه وآله خاصّة علَّاهم بتعليته ، وسما بهم إلى رتبته ، وجعلهم الدعاة بالحق إليه ، والأدلَّاء بالإرشاد عليه ، لقرن قرن ، وزمن زمن ، أنشأهم في القدم قبل كلّ مذروء ومبروء ، أنوارا أنطقها بتحميده ، وألهمها بشكره وتمجيده ، وجعلها الحجج على كلّ معترف له بملكة الربوبيّة وسلطان العبودية ، واستنطق بها الخرسان بأنواع اللغات بخوعا « 2 » له بأنّه فاطر الأرضين والسماوات ، وأشهدهم خلق خلقه ، وولَّاهم ما شاء من أمره ، وجعلهم تراجم مشيّة ، وألسن إرادته ، وعبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .
الخطبة رواها الشيخ أبو جعفر الطوسي بالإسناد في متهجّده وفيها وجوه من الدلالة لا تخفى على من تأمّلها وروى أيضا التوقيع الخارج من الناحية المقدسة المشتمل على قوله : ومقامك الَّتي لا تفصيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك ،
