نعم صرّح بعضهم بأنّه مأخوذ في أصله اللَّطف في الدلالة ، ولذا اشتقّوا منه الهديّة لدلالتها على الوصلة بين المهدي والمهدي إليه بلطف ، مع ما فيها من الحثّ على الإسعاف بالمطلوب الذي هو زيادة المحبّة والألفة أو غيرها .
بل هكذا هو أدى الوحش لأوّل جماعة يتقدّمها فيتبعها الوحش فتدلها على الكلاء والماء .
وأمّا الدلالة الخالية عن لطف كقوله : * ( فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ ) * « 1 » ، فإنّها على * ( حدّ فَبَشِّرْه بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) * « 2 » تنزيلا للتضادّ منزلة التناسب ، وإن احتمل بعض الأجلَّة وروده على حقيقته من غير تهكّم ، نظرا إلى أنّهم لمّا قطعوا بأن لا منزل لهم سوى الجحيم ولا بدّ لهم منها ، فاللطف بهم أن يعرفوا طريقها ليسهل عليهم الوصول إليها استخلاصا من تعب الطريق .
لكنه هيّن جدّا فإنّ تعب الطريق راحة لهم بالنسبة إلى ما ينزلونه من العذاب والمضيق .
وبالجملة فأصل الباب هو الدلالة بلطف ، وقيل : إنّه الميل ، ولذا يقال :
التهادي للمشي المتمايل ، والهديّة تميل القلوب إلى المحبّة ، يقال : تهادوا تحابّوا .
ثمّ إنّه بعد ذلك يستعمل في الكتاب العزيز وغيره بمعنى التوفيق كقوله تعالى :
* ( بَلِ اللَّه يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمانِ ) * « 3 » .
وقال الشاعر :
فلا تعجلنّ هداك المليك * فإنّ لكلّ مقام مقالا