الأرباب وكمال التنزيه عن الكمال ، وكمال التّوحيد نفى الصّفات ، واللَّه أكبر من أن يوصف ، فما دام العبد في مقام الحمد فهو بعد بعيد ، غائب عن ساحة الكبرياء .
وأمّا العبادة فينبغي أن تكون مع كمال التّوجّه والإقبال إلى حضرة ذي العزّ والجلال ، ولذا ورد « أنّ الصّلوة معراج المؤمن » « 1 » ، و « المصلَّى مناج ربّه » « 2 » ، و « إنّه لا يقبل منها إلَّا ما أقبلت عليه بقلبك » « 3 » ، و « إنّ من الصّلوة ما يقبل نصفه وثلثه وربعه » « 4 » ، وذلك على حسب التّوجّه والإقبال ولذا علَّمنا اللَّه تعالى وادّبنا بالانتقال والإياب إلى حالة الحضور والخطاب عند عبادة ربّ الأرباب ، وإنّ حمده سبحانه ينبغي أن يكون بما حمد به نفسه لتنزّهه عن وصف الواصفين ونعت النّاعتين ، سبحان اللَّه عمّا يصفون إلَّا عباد اللَّه المخلصين الَّذين لا يصفونه إلَّا بما وصف به نفسه ، ولذا قال بعد ذلك مثنيا على المرسلين الَّذين يصفونه بما وصف به نفسه ، وسلام على المرسلين والحمد للَّه ربّ العالمين ، ومن هذا قال سيّد الكونين وختم المصطفين سبحانك لا أحصى ثناء عليك كما أثنيت على نفسك فالحمد ثناء من المحمود على نفسه والعبادة تذلَّل وخضوع من العابد للمعبود .
وإنّ من أوّل السّورة إلى هذه الآية بيان لمراتب الوجود التكويني الَّذي يقال له الشّرع الكوني ، ومن هذه الآية إلى آخر السّورة بيان لمراتب الوجود التّشريعي الَّذي يقال له الكون الشّرعي ، ولا ريب أنّ الاختيار في الأوّل جبلي فطري ، وفي الثّاني إرادي وشعوري ظهوريّ قد قام به كون التشريع في هذا العالم الَّذي ما دام