وإنّه قد تقرّر في العلوم الإلهيّة أنّ شدّة الإدراك وتأكّد الصّورة العلميّة في الوضوح والإنارة وقوّة الشّوق إلى المدرك ورسوخه يوجبان حضور المعلوم ، ولذا قيل : إنّ المشاهدة والرّؤية ثمرة اليقين ، فلمّا ذكر اللَّه سبحانه ووصفه بصفات كماليّة ونعوت جلاليّة وجماليّة وخصائص إلهيّة من كونه حقيقا بالحمد ، ربّا للعالمين ، موجدا للكلّ منعما عليهم بالنّعم كلَّها جليلها ودقيقها دنيويّها وأخرويّها ظاهرها وباطنها ، مالكا لأمورهم يوم الجزاء واللَّقاء تميّز بها ذاته عن سائر الذّوات ، وتنوّر القلب بأنوار معرفة هذه الصّفات ، وانفتحت عين البصيرة بتلاوة هذه الآيات فينتقل من الغياب إلى الخطاب قائلا يا من هو بالحمد حقيق ، وبهذه الصّفات الكماليّة يليق ، نخصّك بالعبادة والاستكانة ، ونطلب منك السّداد والإعانة .
وأنّ العباد أراد بذلك أن ينخرط في سلك أرباب الشّهود والحضور ، ويجبر ما في عبادته من القصور والفتور ، نظرا إلى أنّ من تشبه بقوم كاد أن يكون منهم ، وأنّه لا حجاب بين المملوك والمالك إلَّا حجاب ملك نفس المملوك ، فإذا عبر عن حجاب ملك النّفس وصل إلى مشاهدة مالك النفس .
كما ورد في تفسير قوله تعالى : * ( فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) * « 1 » عن مولينا جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام : إنّ التّوبة هي قتل النّفس ، وناجى بعض الأنبياء ربّه كيف الوصول إليك ؟ فخوطب دع نفسك .
وللنّفس صفات أربع كلَّها حجب لها ظلمانيّة ونورانيّة ، وهي كونها * ( أمّارة إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) * « 2 » لوّامة * ( ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) * « 3 » وملهمة