قلت : ذكر الشّيخ الَّرضى « 1 » رضى اللَّه عنه أنّ كسر حروف المضارعة إلَّا الياء لغة غير الحجازيّين إذا كان الماضي مكسور العين ويكسرون الياء أيضا إذا كان ما بعدها ياء أخرى .
قوله نعبد إمّا من العبادة ، أو من العبوديّة ، فانّ الأتي منهما مضموم العين ، وإن كان الماضي من الأوّل بالفتح ، ومن الثاني بالضّم ، فصاحب العبادة عابد مطيع ، وصاحب العبودية عبد منقاد .
والعبادة أن تفعل ما يرضيه اللَّه ، والعبوديّة أن ترضى بما يفعله اللَّه ، وأصل الباب هو الذّلَّة والانقياد تقول : طريق معبّد : أي مذلَّل بكثرة الوطي ، والمعبّد على ما في القاموس من الأضداد يطلق على المذلَّل وعلى المكرّم ، وذلك لأنّ ذلَّة العبوديّة توجب الفوز بالكرامة والسّلامة والإقامة في دار المقامة ، وهذه العبوديّة هي الَّتي افتخر بها نبيّنا خاتم الأنبياء صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم على سائر الأنبياء في قوله : « الفقر فخرى وبه أفتخر على سائر الأنبياء » « 2 » ، إذ المراد به هو الافتقار والانقطاع الكلَّى إلى اللَّه تعالى . وبالجملة كلّ من العبادة والعبوديّة على فرض تغايرهما تصلح لاشتقاق الفعل منه ، ولذا اثنى اللَّه تعالى على الأنبياء والملائكة في قوله : * ( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ ) * « 3 » ، * ( لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِه ) * « 4 » ، * ( واذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ ) * « 5 » * ( وكانُوا لَنا عابِدِينَ ) * « 6 » .