والعظمة مظهر الإرادة ولذا يعبر عن الأولى بالكاف وعن الثانية بالنون ، واستدارته صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم حول جلال القدرة استدارة ذاتية افتقارية استمدادية استفاضية على التوالي ، وهذه هو القدم الذي أشير إليه في الخطبة العلوية بقوله : « وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، استخلصه في القدم على سائر الأمم على علم منه ، انفرد عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس ، وانتجبه آمرا وناهيا عنه . . .
إلخ » « 1 » .
ولم يزل متحركا بالحركة المتوالية السريعة إلى أن قطع المنازل الثمانية التي هي الاستعداد والتمكن من الأسفار الأربعة في الغيب والشهادة ، وهي السفر من الخلق إلى الحق ، والسفر في الحق بالحق ، والسفر من الحق إلى الخلق ، والسفر في الخلق بالحق ، والمراد بالخلق نفسه لا غيره ، وإلَّا فهو بعد لم ينزل إلى مقام غيره ، فهذه الأسفار الأربعة في مرتبتي الغيب والشهادة ثمانية تنتهي بكمال العدد وترقيه إلى ثمانين ، ولمّا كان مقامه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم حينئذ مقام الربوبية إذ لا مربوب عينا لا ذكرا ، رجعت المراتب إلى الأيام الربوبية ، * ( إذ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) * « 2 » ، فلذلك كان صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يطوف حول جلال القدرة ثمانين ألف سنة ، فلمّا خصه سبحانه بمزيد الألطاف ، وتم ميقات هذا الطواف انتهى إلى أدنى درجات حجاب القدرة وهو أعلى مقامات حجاب العظمة ، فخلق منه نور علي عليه السّلام ، كما قال عليه السّلام : « أنا من محمد كالضوء من الضوء » « 3 » ، وقال عليه السّلام : « أنا عبد من عبيد محمد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم » « 4 » .