من نفس الطبع ، وأجهل الناس من قطع على قلبه من غير علم ، فقد قال اللَّه تعالى : وذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ [ فصلت : 23 ] وإن العبد ليحرم الرزق الهني وصلاته بالليل بسوء الظن . وقد كان رجل من العباد نام ليلة عن ورده ، فجزع عليه ، فقيل : أتجزع على ما تدركه ؟ قال : لست أجزع عليه ، وإنما أجزع على الذنب الذي به صرت محروما عن ذلك الخير . فقيل لسهل : ما معنى قوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : « احترسوا من الناس بسوء الظن » « 1 » ، فقال : معنى هذا بسوء الظن بنفسك لا بالناس ، أي اتهم نفسك بأنك لا تنصفهم من نفسك في معاملاتهم . قوله تعالى : ولا تَجَسَّسُوا [ 12 ] قال : أي لا تبحث عن المعائب التي سترها اللَّه على عباده ، فإنك ربما تبتلى بذلك . وقد حكي عن عيسى عليه السلام أنه كان يقول : لا تكثروا الكلام في غير ذكر اللَّه عزّ وجلّ ، فتقسوا قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيد من اللَّه ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ، وانظروا إلى أعمالكم كالعبيد ، واعلموا أن الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء وسلوا اللَّه العافية « 2 » . قوله : ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [ 12 ] قال : من أراد أن يسلم من الغيبة فليسد على نفسه باب الظنون ، فإن من سلم من الظن سلم من الغيبة ، ومن سلم من الغيبة سلم من الزور ، ومن سلم من الزور سلم من البهتان . قال : وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما : للمنافق غيبة ، وليس للفاسق غيبة ، لأن المنافق كتم نفاقه ، والفاسق افتخر بفسقه . قال : وهذا إنّما أراد به فيما أظهره من المعاصي ، فأما ما كتمه من المعاصي ففيه غيبة .
[ سورة الحجرات ( 49 ) : الآيات 14 الى 15 ]
[ سورة الحجرات ( 49 ) : الآيات 14 الى 15 ] قالَتِ الأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ولَمَّا يَدْخُلِ الإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وإِنْ تُطِيعُوا اللَّه ورَسُولَه لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 14 ) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّه ورَسُولِه ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ( 15 ) قوله : قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا [ 14 ] قال : يعني أقررنا مخافة السبي والقتل لأن الإيمان إقرار باللسان صدقا ، وإيقان في القلب عقدا ، وتحقيقها بالجوارح إخلاصا ، وليس في الإيمان أنساب ، وإنما الأنساب في الإسلام ، والمسلم محبوب إلى الخلق ، والمؤمن غني عن الخلق . قوله : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [ 17 ] أي صدقوك فيما دعوتهم إليه .
[ سورة الحجرات ( 49 ) : آية 17 ]
[ سورة الحجرات ( 49 ) : آية 17 ] يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّه يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ( 17 ) بَلِ اللَّه يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ 17 ] أي عالمين بأن اللَّه هو الذي من عليكم بالهداية في البداية . قال سهل : استعملت الورع أربعين سنة ، ثم وقع مني التفات فأدركني قوله : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [ 17 ] . واللَّه سبحانه وتعالى أعلم .
( 1 ) المعجم الأوسط 1 / 189 وفتح الباري 10 / 531 . ( 2 ) الموطأ 2 / 986 ( رقم 1784 ) ومصنف ابن أبي شيبة 6 / 340 ( رقم 31879 ) ، 7 / 65 ( رقم 34230 ) وشعب الإيمان 4 / 263 .