( عباد ) يعني جميع الخلق ، فلا يمكن الاعتقاد أن عذاب النار هو من جملة ما منحه الله لهم لكونه بصيراً بهم ، لأنَّ هذا التركيب لم يقترن بذكر العذاب ، بل اقترن دوماً بذكر النِعَم .
والمقصود بهذا الكلام أنَّهُ تعالى ما كان ليأتي بهذا التركيب ( والله بصير بالعباد ) في هذا السياق إذا كان العباد هم جملة الخلق لأنَّ بعضهم يُعذّب بالنار . فالمقصود من لفظ ( العباد ) هم العباد الذين يريد تعالى أن يُرضيهم ، وهو يعلم كيف يُرضيهم ، وعليه لا يكون الكفار من جملة العباد .
5 . قوله تعالى : * ( رِزقاً للعِباد ) * ( ق 11 ) لأنَّ الأصل في الرزق للمؤمنين ، ويظهره اقترانات لفظ ( الرزق ) التي منها :
* ( ومَا خَلَقتُ الجِنَّ والأنسَ إلاَّ لِيعْبدون * مِا أُريدُ منْهُم مِنْ رِزقٍ ومَا أُرِيدُ أنْ يُطْعِمون * إنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذو القُوَّةِ المَتين ) * ( الذاريات 56 - 58 ) ذلك لأنَّه تعالى يقول ( إلاَّ ليعبدون ) وهو حصرُ الغاية من الخلق بالعبادة ، فلا يريد منهم رزقاً ، بل هو المتكفّل بهذا الرزق . وإذن فالرزق مرتبطٌ بالعبادة فهو حصراً للعباد وليس للعبيد .
إن تفاصيل هذه العلاقة ستظهر في مباحث أخرى من سلسلة النظام القرآني عن مرحلة الاستخلاف حيث تتنزّل الأرزاق للعباد المتّقين . قال تعالى :
* ( ولَو أنَّ أهلَ القُرى آمنوا وَاتَّقوا لَفَتَحنا علَيْهِم برَكَاتٌ مِنَ السَّمَاء والأرض ) * ( الأعراف 96 ) قوله تعالى : * ( إنْ تَكفِروا فإنَّ اللهَ غنيٌّ عنْكُمْ ولا يَرضَى لِعبادِهِ الكُفرَ وإنْ تَشْكرُوا يَرْضَهُ لكم ) * ( الزمر 7 ) إنَّ المنهجَ يدَّقق في جميع ألفاظ التركيب ، ويلاحظ هنا تطابقاً مع مفهوم ( العباد ) على عكس ما يتبادر من أنّ بعض العباد ربّما يكفرون .
فالمنهج يلاحظُ أن الخطاب تغيّرَ وحدثَ التفاتٌ ، حيث أن التركيب ( ولا يرضى لعباده الكفر ) جاء بصيغة الغائب بين تركيبين بصيغة المخاطب . وهذا يعني في المنهج اللفظي وجود مجموعتين ، وذلك بحسب قواعده في معرفة المجاميع : الأولى هي مجموعة المخاطبين ، والثانية هي مجموعة العباد .
