ما شئت وليتبعك في الضلالة والغواية من أراد ، فاني لا أكره أحدا على طاعة ولا معصية . . وأزود الجميع بالقدرة والعقل والإرادة ، وأبين لهم طريق الخير وطريق الشر ، أنهي عن هذا وآمر بذاك ، فمن امتثل وأطاع فان الجنة هي المأوى ، ومن تمرد وعصى فان جهنم مثوى للعاصين يجزون فيها جزاء تاما ، لا نقصان فيه عما يستحقون .
( واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ ) .
استفزز استخف واستنهض ، والجلبة الصياح . . ولا جنود حقيقة لإبليس ، بعضهم راكب ، وبعضهم راجل ، وانما هذا كناية عن المفسدين وأرباب الأهواء ، والخائنين والعملاء . وفي نهج البلاغة ، « احذروا ان يستفزكم - الشيطان - بندائه وأن يجلب عليكم بخيله ورجله ، فلعمري لقد فوّق لكم سهم الوعيد وأغرق لكم بالنزع الشديد » . وقال الشيخ محمد عبده معلقا على ذلك بقوله : « يستفزكم يستنهضكم لما يريد ، فان تباطأتم عليه أجلب عليكم بخيله ورجله ، والمراد بهم أعوان السوء » . وتقدم نظير ذلك في سورة الأعراف ، الآية 84 وما بعدها ج 3 ص 308 . واجبنا هناك عن ثلاثة تساؤلات ، وهي :
هل خاطب اللَّه إبليس مباشرة أو بالواسطة ؟ . وهل الغواية من اللَّه أو من إبليس ؟ . ولما ذا أمهله اللَّه وهو يعلم أن في إمهاله فسادا وإفسادا ؟ . فراجع .
( وشارِكْهُمْ فِي الأَمْوالِ والأَوْلادِ ) . المشاركة في الأموال كناية عن كل مال يؤخذ من غير حق ، كالسلب والنهب والربا والغش وثمن الخيانة والعمالة ، أو ينفق في غير وجهه ، كالاسراف وفي الخمر والميسر والمظاهر الفارغة ، أما المشاركة في الأولاد فهي كناية عن الزنا وقتل الأولاد خوف الفقر والعار ، وتربيتهم تربية فاسدة ( وعِدْهُمْ وما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً ) . ووعد الغرور هو إلباس الباطل ثوب الحق ، والخطأ لباس الصواب ، مثل أن يوسوس الشيطان لمن يؤمن باللَّه واليوم الآخر ، ويقول له : لا تخف من المعصية فان اللَّه كريم وغفار . .
وما زلت في مقتبل العمر ، وغدا تستغفر وتتوب . . وفي بعض الأخبار أن إبليس وسوس لعابد من بني إسرائيل أن يذنب ويتوب ليقوى على العبادة .
( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ) . تقدم مع التفسير في سورة الحجر الآية 42 .