ولكن المفسرين قالوا : ان المجتمع الصالح يفنى بالموت الطبيعي ، والفاسد بالعذاب ، وقولهم هذا لا يتفق مع قولهم في تفسير قوله تعالى في أول سورة الحج : « يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وتَرَى النَّاسَ سُكارى وما هُمْ بِسُكارى » .
والذي نراه أن المراد بالقرية في قوله تعالى : « وإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ » الخ . المراد خصوص القرية الظالم أهلها أي المجتمع الفاسد فقط ، وانه يهلك هذا المجتمع أو يعذبه قبل ان تقوم الساعة ، اما المجتمع الصالح فيستمر في الوجود والبقاء إلى يوم القيامة حيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت . . . وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، وبهذا يتحقق الجمع بين ما جاء في أول الحج ، وبين الآية التي نحن بصددها ، ويكون معناها ان اللَّه سيمحو المفسدين والظالمين من وجه الأرض قبل القيامة ، ولا يبقى إلا الصالحون الطيبون ، يعيشون جميعا في طاعة اللَّه مؤمنين آمنين على أنفسهم وجميع أشيائهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة عن رسول اللَّه ( ص ) .
منها ما جاء في سنن أبي داود السجستاني ، وهو أحد الصحاح الستة عند السنة ج 2 طبعة سنة 1952 ص 422 وما بعدها : « قال رسول اللَّه ( ص ) :
لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول اللَّه ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا » . ومحل الشاهد يملأ الأرض قسطا وعدلا .
ومنها ما جاء في كتاب السنن لابن ماجة ، وهو أحد الصحاح الستة أيضا ج 2 طبعة 1953 الحديث رقم 4083 : « قال رسول اللَّه يكون في أمتي المهدي تنعم فيه أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط » .
والثورات والانتفاضات في كل مكان للتحرر من الظلم والفساد ، والجهل والفقر تدل بصراحة ووضوح على ان هذا كائن لا محالة في المستقبل القريب أو البعيد .
( وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها ) . اقترح مشركو قريش على رسول اللَّه ( ص ) أن يأتيهم بالخوارق التي يريدون ، وقالوا له فيما قالوا : فجر لنا من الأرض ينبوعا ، وائتنا باللَّه