لمّا عجز عن مقارعة الحجة بالحجة لجأ إلى السيف . . ولكن بأية حجة يتذرع فرعون ؟ وبأي منطق يجادل ويناقش ؟ . . لا شيء سوى أن يلف ويدور ، وان يذكّر موسى بالماضي والإنعام عليه . . ألم نحضنك رضيعا ، ونربك غلاما ، وأقمت في بيتنا أعواما ، ثم قتلت منا رجلا ، وهربت خائفا تترقب ؟ أهكذا تجحد نعمتنا ، وتكفر بإحساننا ؟ وفوق ذلك تدعي انك رسول اللَّه إلينا ؟ وكيف تجمع بين ماضيك ، وهو فقر وتشريد ، وبين ادعائك الرسالة من عند اللَّه ؟ أتريدنا أن نسمع لك ونطيع ، ونحن سادتك وأولياء نعمتك ؟ . ثم التفت فرعون إلى جلسائه وقال : « فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ » . . ان في الذهب وحده يكمن السر كل السر في منطق الطغاة . . فلا نبوة ولا سيادة ولا فضل إلا للذهب وبالذهب .
وأجاب موسى ( ع ) عن قتل الفرعوني ( قالَ فَعَلْتُها إِذاً وأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) أي من الجاهلين بأن وكزتي تؤدي إلى القتل . . اني قصدت بها الردع والتأديب فأخطأت القصد ، فأي ذنب لي في ذلك ؟ وبالمناسبة فإن العمد ركن أساسي من أركان الجناية عند أهل التشريع ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ) . ما فررت من وجه العدالة ، بل فررت من الظلم والخوف ان تعاملوني معاملة المجرم القاتل المتعمد . .
وكان قد قال قائل لموسى : « إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ » - 20 القصص .
( فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) . ذكره فرعون بالفقر والتشريد فقال له موسى : ان الكرامة لا تقاس بالمال والسلطان ، وإنما هي بيد اللَّه يهبها من يشاء من عباده ، وقد وهب لي العلم بدينه وشريعته ، وبأوجه الخير والصواب ، وكرمني بالرسالة إليك وإلى قومك .
وقال موسى ردا على قول فرعون : ألم نربك فينا وليدا ، قال يرد عليه :
( وتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ ) . أتمن علي يا فرعون بتربيتك لي ، وتتجاهل ان السبب هو طغيانك وعدوانك ، وانك ذبحت أبناء قومي ، واستعبدت نساءهم ، ولما خافت عليّ أمي من جورك قذفتني في البحر . . وكان الذي كان من حياتي في بيت غريب بعيدا عن حنان الأم ، وعطف الأب ؟ . .