قيل : ان رجلا قال لإبليس : لا سبيل لك على المؤمنين من أمثالي ، فضحك إبليس وقال له : ان كلامك هذا هو الشاهد على انك وأمثالك مطية لي . . ان غرورك هذا هو المنفذ الذي أدخل منه إلى قلبك ، فأفسده وأعماه حتى عن الواضح المحسوس .
وبعد ، فمن أراد أن يمتحن دينه وإيمانه فلينظر : هل يتهم نفسه أو يزكيها من كل عيب ؟ وهل تقبل الحق حتى ولو كان عليها ، فإن اتهمها وقبلت الحق مهما كانت النتائج فهو من المؤمنين وإلا فهو من الهالكين .
( أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ورَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) . رفضوا أن يتحاكموا عند الرسول ، ولا موجب لهذا الرفض إلا البغض والكراهية لرسول اللَّه ، أو الشك والريب في نبوته ، أو الخوف من ظلمه وجوره . وأيا كان السبب الموجب فإنه لا يأبى حكم الرسول الأعظم ( ص ) إلا كافر أو ظالم لنفسه ولغيره ( إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . بعد أن ذكر سبحانه المنافقين ، وانهم الذين يمتنعون عن المحاكمة عن الرسول إذا دعوا إليها ذكر المؤمنين ، وانهم الذين يستجيبون لكل من دعاهم إلى اللَّه ورسوله ، ويلبون دعوته خاضعين طائعين . وهؤلاء هم حزب اللَّه الذين عناهم بقوله : « أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » - 22 المجادلة .
( ومَنْ يُطِعِ اللَّهً ورَسُولَهُ ويَخْشَ اللَّهً ويَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ ) برضوان اللَّه وجنانه . . وعطف الخوف من اللَّه وتقواه على طاعته تعالى هو من باب عطف التفسير لأن من أطاع اللَّه فقد خافه واتقاه ، ولكن المفسرين أبوا إلا أن يفرقوا بين هذه الأفعال ، فقالوا : أطاع اللَّه فيما أمر ونهى ، وخافه فيما عصى ، واتقاه فيما يأتي ( وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ) . ضمير أقسموا للمنافقين ، والمعنى انهم حلفوا الايمان المغلظة لئن أمرهم الرسول بالخروج من ديارهم وأموالهم ليسمعوا ويطيعوا . فزجرهم سبحانه عن الايمان الكاذبة بقوله :
( قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهً خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) . قل يا محمد للمنافقين لا تحلفوا ، فان اللَّه يعلم ان طاعتكم هذه طاعة كذب ورياء ، وانكم أعداء اللَّه ورسوله ، وقد أعد لكم من أليم العذاب ما تستحقون .