خلل . . كل شيء له حدود عند اللَّه ، وعلى الإنسان ان يقف عندها ولا يتعداها .
- وعلى سبيل المثال - حدود الحكم والسلطان العدالة والكفاءة ، وحدود الملكية عدم الإضرار بالأفراد والجماعة ، وحدود الإنفاق عدم التقتير والإسراف ، وهكذا سائر الأفعال والانفعال أيضا .
وعبر سبحانه عن التقتير بغل اليد لأن المقتر يقبض يده عن الإنفاق ، والغل أيضا يمنعها عن التصرف ، وقوله : ولا تبسطها كل البسط أراد به اليد التي لا تمسك شيئا في قبال التي تمسك كل شيء . . ونهاية هذه وتلك واحدة ، وهي الحسرة والملامة ، فالمسرف يعض يد الحسرة والندامة ملوما عند اللَّه والناس ، وعند نفسه أيضا حين يصبح صفر اليدين ، والبخيل مذموم على كل لسان ، وحسرته غدا أشد وأعظم من حسرة المسرف ، وخير الأمور الوسط .
وتسأل : هل معنى هذا ان الإسلام يقر مذهب سقراط في الأخلاق ، ونظريته القائلة : كل فضيلة وسط بين رذيلتين ، فالشجاعة وسط بين التهور والجبن ، والكرم وسط بين الإسراف والتقتير ، والتواضع وسط بين الخجل وعدم الحياء ، وهلم جرا ؟ .
الجواب : كلا ، فإن الإسلام يحدد الفضيلة ويشرع الأحكام على أساس مصلحة الفرد والجماعة ، فكل عمل به تقوم الحياة ، وتنمو وتتقدم فهو فرض عين على القادة ، وفرض كفاية على الأفراد ، وكل ما فيه نفع بجهة من الجهات فهو فضيلة ، بل عبادة واجبة على كل قادر أو مستحبة على مقدار ما فيها من النفع ، قال تعالى : « وأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ 17 الرعد . وقال الرسول الكريم ( ص ) : خير الناس من انتفع به الناس ، وأوضح الأدلة على هذه الحقيقة قوله تعالى : « النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ويَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأَغْلالَ » - 157 الأعراف .
وهذا المبدأ القرآني ، وهو المصلحة ، قد يلتقي مع نظرية الوسط ، كما في الأشياء التي لها وسط ، مثل الكرم بين التقتير والإسراف ، ويفترق عنها في الأشياء التي لا وسط لها ، كالأمانة فإنها ضد الخيانة ، ولا ثانية لها كي تتوسط الأمانة