يجب أن يجزم بتكذيب الفاحشة وحديث الزنا بمجرد سماعه ، ودون أن يتثبت ، ولا يتفق هذا مع المبدأ العقلي والاسلامي القائل : ان النافي بلسان الجزم تماما كالمثبت ، كل منهما يحتاج إلى دليل قاطع ؟ .
الجواب : أجل لا شك في هذا المبدأ ، وانه عام لكل شيء ، ولكن ليس المراد بالنفي هنا نفي الزنا في الواقع وفي علمه تعالى ، كلا ، بل المراد نفي حكمه وآثاره كإقامة الحد واللغو فيه ، واعتباره كأن لم يكن في الواقع الا إذا ثبت بالطريق الشرعي ، فإذا انتفى طريق الإثبات انتفى الحكم قطعا ، ولذا يحد القاذف ثمانين جلدة مع عدم الإثبات ، وبتعبير ثان ان عدم الدليل الشرعي على الزنا دليل على عدمه حكما وآثارا ، وأقوى الشواهد على ذلك قوله تعالى : ( لَوْ لا جاؤُوا عَلَيْهِ » - أي على الزنا - « بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) أي كاذبون في حكم اللَّه بالدنيا ، أما علمه تعالى الذي يتعلق بالأشياء على حقيقتها فيبتني عليه حكم الآخرة .
( ولَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) . أفضتم خضتم ، وضمير فيه للإفك وحديثه ، ورحمته تعالى في الدنيا على من عصى هي الستر والامهال لكي يتوب ، وفي الآخرة العفو إذا تاب وأناب ثم بيّن سبحانه سبب استحقاقهم العذاب العظيم دنيا وآخرة ، بيّنه بقوله : ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) . تديرون حديث الإفك بألسنتكم ، وينقله بعضكم عن بعض من غير دليل ، وتظنون ذلك سهلا وهو من أعظم الذنوب والآثام عند اللَّه ، ومن أقوال الإمام علي ( ع ) : اللسان سبع إذا خلي عنه عقر .
( ولَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا ) من الأساس فضلا عن الشك فيه ، بل ينبغي تنزيه اللسان عن حديث الزنا ، حتى ولو ثبت بالبينة الشرعية إلا في مقام الردع والزجر عنه . . والذين يتحدثون ويتلذذون بحديث الزنا والفجور هم أراذل الناس وشرارهم ( سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ ) وأي شيء أعظم بهتانا وإثما من الافتراء على الأبرياء ؟ والمؤمن الحق يذبّ عن أخيه المؤمن ، ولا يتهمه بالسوء والشر ما وجد له في الخير سبيلا .