تزعم قريش انها على دين إبراهيم ( ع ) . . فأبطل اللَّه هذا الزعم بأنه هو صاحب البيت ، وقد أوحى إلى إبراهيم ان يبنيه ويجعله خاصا بعبادة الموحدين المقيمين منهم في مكة والعابرين ، وان يبعد عنه المشركين وأوثانهم ، وهذا هو معنى ( وطَهِّرْ بَيْتِيَ ) . . ولكن قريشا عكست الآية ، فملأت بيت اللَّه بالأصنام ، وأباحته لأهل الشرك والفساد وصدت عنه أهل التوحيد والصلاح .
( وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) . أمر اللَّه خليله ان يدعو الناس إلى حج المسجد الحرام بعد ان يقيم قواعده ، ويتم بناءه ، ووعده أن يستجيب الناس إلى دعوته . ويأتوه مشاة وركبانا على ضوامر من الخيل والإبل من كل طريق بعيد ، وبالأولى من الطريق القريب .
( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) . الحج هو العبادة الوحيدة التي تجمع بين المنافع الدينية والدنيوية ، أما الدينية فطاعة اللَّه بأداء الفريضة ، والتوبة من الخطايا والذنوب واستشعار الهيبة والجلال ، قال ابن عربي في الفتوحات المكية : « كنت في ذات يوم أطوف بالكعبة ، فرأيتها فيما خيل إلي انها ارتفعت عن الأرض ، وتوعدتني بكلام واللَّه سمعته ، وهي تقول : تقدم حتى ترى ما أصنع بك ، كم تضع من قدري ، وترفع من قدر بني آدم » .
ونقول عن يقين : ما من أحد يسعى أو يطوف في بيت اللَّه بإخلاص إلا ويستشعر شيئا من هذا النوع .
( ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعامِ ) وهي الإبل والبقر والغنم ، وذكر اسمه تعالى على الانعام كناية عن ذبحها ونحرها لأن التسمية تجب عند نحر الإبل وذبح البقر والغنم ، والمراد بآيات معلومات أيام النحر والذبح في الحج كما يدل عليه سياق الآية . وقد اختلف الفقهاء في عدد هذه الأيام ، قال الشيعة : هي أربعة ، أولها يوم عيد الأضحى وآخرها اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، وقال غيرهم من فقهاء المذاهب : هي ثلاثة تنتهي بالثاني عشر منه . والتفصيل في كتابنا « الفقه على المذاهب الخمسة » .
وقال الرازي : أكثر العلماء يفرقون بين الأيام المعلومات في هذه الآية ، والأيام المعدودات في الآية 203 من سورة البقرة ، ويرون ان الأيام المعلومات هي عشرة