فان للفزع مراتب : من سكرات الموت إلى وحشة القبر ثم الخروج منه إلى الحساب واطباق جهنم على أهلها ( وتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) .
تستقبل ملائكة التشريفات المتقين بالحفاوة والتكريم ، وتقول لهم : لقد جمعكم اللَّه في هذا اليوم الذي وعدكم فيه بالملك الدائم والنعيم القائم . وتتلخص هذه الآيات الثلاث بكلمة : « هَلْ جَزاءُ الإِحْسانِ إِلَّا الإِحْسانُ » - 60 الرحمن . أو كلمة :
« لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى » - 26 يونس .
( يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) . السجل الصحيفة ، والمراد بالكتب هنا ما يكتب في الصحيفة من كلمات ، والمعنى ان اللَّه سبحانه يطوي الكواكب يوم القيامة ، على ضخامتها وكثرتها ، كما تطوي الصحيفة ما كتب فيها بحيث يصير كل كوكب أشبه بالكلمة أو الحرف في الصحيفة ( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ) . شبه سبحانه النشأة الثانية بالنشأة الأولى ، وانه كما تحققت هذه فستحقق تلك لا محاله وفاء لوعده تعالى ، وما ذاك على اللَّه بعزيز ، فان من خلق الكون قادر على أن يعيده بعد تلاشيه وتفرق أجزائه :
« وهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ » - 27 الروم .
أيضا المهدي المنتظر :
( ولَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) .
الزبور هو كتاب داود ، والذكر ما تقدمه من الكتب السماوية كصحائف إبراهيم وتوراة موسى ، والمعنى ان الحكم والسلطان في الأرض ، وان كان الآن بأيدي الطغاة الفجرة فان اللَّه سينقله من أيديهم إلى الطيبين الأخيار لا محالة ، وعندها يعم الأمن والعدل الكرة الأرضية ، وينعم بخيراتها وبركاتها الناس كل الناس ، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة وصحيحة ، منها ما رواه أبو داود في كتاب السنن وهو أحد الصحاح الستة - « قال رسول اللَّه : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا » [1] .