المفسرين : « كرر اللَّه قصة موسى مع فرعون لأن حكاية موسى منذ انعقاد نطفته إلى آخر حياته كلها عبر ونصح وإنذار وتبشير وتسلية للنبي والمؤمنين وفيها آيات دالة على علم اللَّه وقدرته وحكمته وعلى تحمل موسى من قومه الذين هم أشد حمقا من جميع الأمم » . هذه هي دنيا موسى : وضع في التابوت وقذف به في البحر ساعة ولادته ، ثم نشأ يتيما في بيت فرعون ، ثم مشردا بائسا يأكل من نبات الأرض ، ثم راعيا للغنم ، ثم نبيا يقاسي من قومه أشد الخطوب والآلام . .
فلا بدع إذا تكرر ذكره وحديثه في كتاب اللَّه ما دامت حياته كلها وقصته قصة العظات والعبر . . والآيات التي نحن بصددها تتحدث عن ابتداء نزول الوحي على موسى وتكليم اللَّه إياه .
( وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى ) ؟ . هذا مثل قولهم : هل بلغك كذا وكيت ؟
والقصد ان يتنبه السامع ويصغي إلى الحديث . وهذا هو حديث أول الوحي إلى موسى : ( إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً ) . في الآية 14 وما بعدها من القصص ذكر سبحانه ان موسى لما بلغ أشده رأى رجلين يقتتلان : أحدهما فرعوني ، والآخر عبري ، وان هذا استغاث بموسى ، فوكز موسى الفرعوني ، فقضى عليه ، وهرب موسى من مصر إلى مدين ، فزوجه شعيب إحدى بنتيه على ان يرعى ماشيته ثماني سنوات أو عشرا : « فَلَمَّا قَضى مُوسَى الأَجَلَ وسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ » - 30 القصص .
خرج موسى من مدين قاصدا مصر ، ومعه زوجته ، وفي الطريق احتاج إلى النار . . قال الرواة : ان موسى ضل الطريق في ليلة شاتية باردة مظلمة ، وان الطلق فاجأ زوجته في هذه الحال ، وان زنده لم ينقدح . . وبينا هو حائر في أمره لا يدري ما ذا يصنع ؟ ضياع وبرد وظلمة ومخاض امرأة وعدم انقداح الزند ، بينا هو كذلك إذ رأى نارا من بعد ، فاستبشر وقال لأهله : ربما يأتي الفرج من قلب الضيق . . الزموا مكانكم ، فاني ذاهب إلى مكان النار لعلَّي آتيكم بجذوة تصطلون بها أو أجد عندها من يخبرني بما يفرج عني .