المعنى :
( واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا ) . المراد بالكتاب هنا القرآن ، والصدق من أكمل الصفات وأفضلها ، والذي نفهمه من وصف إبراهيم بالنبوة بعد وصفه بالصدق انه صادق بطبعه وفطرته وان لم يكن نبيا .
عند تفسير الآية 74 من سورة الأنعام ج 3 ص 212 ذكرنا اختلاف العلماء في المراد من أبي إبراهيم المذكور في القرآن : هل هو الأب الحقيقي ، أو الأب المجازي أي أخو الأب ، وقلنا : انه لا جدوى من هذا النزاع ، وان على المسلم أن يؤمن بنبوة إبراهيم ( ع ) ، أما الاعتقاد بإسلام أبيه فليس من الدين في شيء ، وبخاصة ان ظاهر القرآن يدل على كفره .
ومهما يكن فإن إبراهيم دعا أباه الحقيقي أو المجازي إلى الإسلام ، وقال له فيما قال : ( يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً ) .
كان أبوه يعبد الأصنام ، فاحتج عليه بمنطق العقل والفطرة . . أحجار صماء ، لا تنفع ولا تضر تعبدها وتسجد لها ؟ فأين عقلك وفهمك ؟ .
( يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا ) .
كل الناس الذين يرفضون عبادة الأصنام هم أعلم وأعقل ممن يعبدها ، فكيف الأنبياء الذين يتلقون العلم من اللَّه ؟ . وإذا كان الجهل ببعض الأمور عذرا يتذرع به الجاهل فإن الأصنام هي نفسها لا تدع لمن يعبدها عذرا ولا عاذرا .
( يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا ) . المراد بعبادة الشيطان طاعته لأن من أطاع شيئا فقد عبده ، وعلى هذا فكل من عصى اللَّه في شيء فقد عبد الشيطان ( يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا ) أي مواليا ، ويجوز أن يكون « وليا » على ظاهره ، ويكون المعنى ان الشيطان هو الموالي لعبدة الأصنام من باب المبالغة ، تماما كما تقول : الناس يتعوذون من الشيطان ، والشيطان يتعوذ من فلان ، وعلى كل تقدير فإن القصد التخويف والتحذير من طاعة الشيطان ومتابعته .
( قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِيًّا ) .
في ذات يوم من أيام دراستنا في النجف كنّا نتحلق نحن التلاميذ حول الأستاذ ،