أجمع أهل التأويل على أنّ هذه الآية نزلت جواباً لليهود ، حين زعموا أنّ جبريل عدوّ لهم ، وانّ ميكال وليّ لهم ، لما أخبروا أنّ جبريل هو الّذي نزل على محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قالوا : جبريل عدوّ لنا ، يأتي بالحرب والجدب ، وميكائيل يأتي بالسلام والخصب ، فقال الله تعالى : * ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ ) * إذ كان هو المنزل الكتاب عليه ، فإنّه إنّما أنزله على قلبه بإذن الله ، لا من تلقاء نفسه ، وإنّما أنزل لما هو مصدّق بين يديه من الكتب التي في أيديهم ، لا مكذّباً لها ، وانّه وإن كان فيما أنزل الأمر في الحرب ، والشدّة على الكافرين ، فإنّه هدىً وبشرى للمؤمنين .
وقوله : * ( عَلَى قَلْبِكَ ) * ولم يقل على قلبي ، كقولك للّذي تخاطبه : لا تقل للقوم إنّ الخبر عندك ، ويجوز أن تقول : لا تقل انّ الخبر عندي ، وكما تقول : قال القوم جبرائيل عدوّنا ، ويجوز أن تقول : قالوا جبرائيل عدوّهم ، ولا ينبغي أن يستنكر أحد أنّ اليهود يقولون : إنّ جبرائيل عدونا ، لأنّ الجهل في هؤلاء أكثر من أن يحصى ، وهم الذين أخبر الله عنهم بعد مشاهدة فلق البحر والمعجزات .
سبب النزول :
وكان سبب نزول هذه الآية ما روي أنّ صوريا ، وجماعة من يهود أهل فدك ، لما قدم النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المدينة سألوه ، فقالوا : يا محمّد كيف نومك ، فقد أخبرنا عن نوم النبيّ الّذي يأتي في آخر الزمان ؟ فقال : تنام عيناي وقلبي يقظان ، فقالوا : صدقت يا محمّد ، فأخبرنا عن الولد يكون من الرجل أو من المرأة ؟ فقال : أمّا العظام والعصب والعروق ، فمن الرجل ، وأمّا اللحم والدم والظفر والشعر ، فمن المرأة ، قالوا : صدقت يا محمّد ، فما بال الولد يشبه أعمامه ، ليس فيه من شبه أخواله شيء ، أو يشبه أخواله ليس فيه شيء من أعمامه شيء ؟ فقال : أيهما علا ماؤه كان الشبه له ، قالوا : صدقت يا محمّد ، فأخبرنا عن ربّك ما هو ؟ فأنزل الله
