كأنّه قال : يودّ أحدهم أن يعمّر ألف سنة ، وما ذلك العمر بمزحزحه من العذاب ، وقوله : * ( بِمُزَحْزِحِهِ ) * أي بمبعده ، قال الحطيئة :
فقالوا تزحزح لابنا فضل حاجة * إليك ولا منا لو هيك رافع [1] يعني تباعد ، يقال منه : زحزحه يزحزحه زحزحة وزحزاحاً ، فتأويل الآية : وما طول العمر بمبعده من عذاب الله ، ولا منجيه منه ، لأنّه لا بدّ للعمر من الفناء فيصير إلى الله تعالى ، وقال الفرّاء : ( أحرص الناس على حياة ، ومن الذين أشركوا ) أيضاً والله أعلم كقولك هو أسخى الناس من حاتم ومن هرم ، لأنّ تأويل قولك : أسخى الناس إنّما هو أسخى من الناس .
وقوله : * ( وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) * قرئ بالتاء والياء معاً أي لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، بل هو بجميعها محيط ، ولها حافظ حتى يذيقهم بها العذاب ، ومعنى بصير مبصر عند أهل اللغة وسميع بمعنى مسمع ، لكنّه صرف إلى فعيل في بصير وسميع ، ومثله * ( عَذَابٌ أَلِيمٌ ) * بمعنى مؤلم و * ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ ) * بمعنى مبدع ، وعند المتكلّمين المبصر هو المدرك للمبصرات ، والبصير هو الحي الّذي لا آفة به ، لأنّه يجب أن يبصر المبصرات إذا وجدت ، وليس أحدهما هو الآخر وكذلك سميع ومسمع .
وقوله : * ( يَوَدُّ ) * تقول وددت الرجل أود وداً ووداً ووداداً وودادة ومودة واود : لا يكون ماضيه إلاّ وددت .
وقال بعض المفسّرين : انّ تأويل قوله : * ( لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ) * أي من الناس أجمع ، ثم قال : وأحرص من الذين أشركوا على وجه
