وقوله : * ( خَاسِئِينَ ) * أي مبعدون ، لأنّ الخاسئ هو المبعد المطرود كما يخسأ الكلب ، تقول منه خسأه اخسؤه خسء وخسياً وهو يخسو خسواً ، يقال : خسأته فخسأ وانخسأ . قال الراجز :
كالكلب إن قلت له اخسأ انخسأ [1] أي إن طردته انطرد ، وقال مجاهد : معناه اذلاّء صاغرين ، والمعنى قريب ، وفي هذه الآيات احتجاج من الله تعالى بنعمه المترادفة ، واخباراً للرسول عن عناد أسلافهم وكفرهم مرة بعد أخرى مع ظهور الآيات والعلامات ، تعزية له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتسلية عندما رأى من جحودهم وكفرهم ، وليكون وقوفه على ما وقف عليه من اخبارهم حجة عليهم وتنبيهاً لهم ، وتحذيراً أن يحلّ بهم ممّا حلّ بمن تقدّمهم من آبائهم وأسلافهم .
قوله تعالى : * ( فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وما خَلْفَها ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) * آية بلا خلاف ( 66 ) .
الضمير في قوله : * ( فَجَعَلْنَاهَا ) * يحتمل أن يكون راجعاً إلى العقوبة أو القردة فكأنّه قال : جعلنا القردة ، أي ما حلّ بها من التشويه وتغيير الخلقة ، دلالة على أنّ من تقدّمهم أو تأخّر عنهم ، فمن فعل مثل فعلهم يستحق من العقاب مثل الّذي نزل بهم نكالاً لهم جميعاً وموعظة للمتقين أي تحذيراً وتنبيهاً ، لكيلا يواقعوا من المعاصي ما واقع أولئك فيستحقوا ما استحقوا - نعوذ بالله من سخطه - .
ويحتمل أن تكون الهاء راجعة إلى الحيتان ، ويحتمل أن تكون راجعة إلى القرية التي أعتدوا أهلها فيها ، ويحتمل أن تكون الهاء راجعة إلى الأمة الذين اعتدوا وهم أهل أيلة قرية على شاطئ البحر ، وروي ذلك عن أبي جعفر ( عليه السلام ) .
