وقوله : * ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) * استئناف كلام بما فعل الله بهم ، يعني بالذين اعتدوا في السبت وقتلوا الأنبياء .
ومعنى * ( ضربت ) * أي فرضت ووضعت عليهم الذلّة ، والزموها من قول القائل : ضرب الإمام الجزية على أهل الذمة ، وضرب فلان على عبده الخراج ، وضرب الأمير على الجيش البعث ، يريد بجميع ذلك ألزم ذلك ، وبه قال الحسن وقتادة ، وقيل : معنى * ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ ) * أي حلّوا بمنزلة الذلّ والمسكنة ، مأخوذ من ضرب القباب ، قال الفرزدق في جرير :
ضربت عليك العنكبوت بنسجها * وقضى عليك به الكتاب المنزل [1] وأمّا * ( الذِّلَّةُ ) * فقال الحسن وقتادة وغيره : * ( يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) * * ( والذلة ) * مشتق من قولهم : ذلّ فلان يذلّ ذلاً وذلّة .
وأمّا المسكنة : فهي مصدر التسكين ، يقال : ما فيهم أسكن من فلان ، وما كان سكيناً ، ولكن تمسكن تمسكناً .
وقال ابن زيد : المعني يهود بني إسرائيل ، أبدلهم الله تعالى بالعز ذلاً ، وبالنعمة بؤساً ، وبالرضا عنهم غضباً ، جزاء منه بما كفروا بآياته ، وقتلهم أنبياءه ورسله اعتداءً وظلماً .
وقوله : * ( وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ) * أي انصرفوا ورجعوا ، ولا يقال : باء إلاّ موصولاً إمّا بخير وامّا بشر ، وأكثر ما يستعمل في الشر ، كذا قال الكسائي ، ويقال : باء بدينه يبوء به بوءاً ، ومنه قوله تعالى : * ( أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ) * يعني ترجع ، بما قد صار عليك دوني ، فمعنى الكلام : ارجعوا منصرفين متحملين غضب الله .
