وأمّا تبقية إبليس مع إعلامه أن يستبقيه إلى يوم القيامة ففيه جوابان :
أحدهما : أنّه إنّما وعده قطعاً بالتبقية بشرط ألا يفعل القبيح ومن فعل القبيح حقّ اخترته عقبه ، ولا يكون مغرى .
والثاني : انّ الله قد علم أنّه لا يريد بهذا الاعلام فعلاً قبيحاً ، وإلا لما كان يفعله ، وفي ذلك اخراجه من باب الاغراء .
وقد قيل : إنّ إبليس قد زال عنه التكليف ، وإنّما أمكنه الله من وسوسة الخلق تغليظاً للتكليف ، وزيادة في مشاقهم ، ويجري ذلك مجرى زيادة الشهوات أنّه يحسن فعلها إذا كان في خلقها تعريض للثواب الكثير الزائد .
قوله تعالى : * ( وظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وما ظَلَمُونا ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) * آية بلا خلاف ( 57 ) .
قوله : * ( وَظَلَّلْنَا ) * عطف على قوله : * ( ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ) * وكأنّ التقدير ثم بعثناكم من بعد موتكم وظلّلنا عليكم الغمام .
والظلمة والغمامة والسترة نظائر في اللغة .
يوم الغمام الّذي ظلّل على بني إسرائيل ، قال ابن عباس ومجاهد : لم يكن بالسحاب ، ولكنه الّذي عنى في قوله : * ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَام ) * [1] وهو الغمام الّذي أتت فيه الملائكة يوم بدر ، ولم يكن لغيرهم ، قال ابن عباس : كان معهم في التيه ، وقيل : هو ما ابيضّ من السحاب .
