قوله تعالى : * ( ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) * آية بلا خلاف ( 56 ) .
قوله : * ( بَعَثْنَاكُمْ ) * أحييناكم عند أكثر المفسّرين كالحسن ، وقتادة ، وغيرهما .
وقال السدي : بعثناكم أنبياء ، والأوّل أصح لأنّه ظاهر الكلام ، فلا يجوز العدول عنه وأصل البعث إثارة الشيء من محله ، ومنه قيل : بعث فلان راحلته إذا أثارها من مبركها للسير ، ومنه قولهم : بعثت فلاناً لحاجتي إذا أقمته من مكانه الّذي هو فيه للتوجه فيها ، ومن ذلك قيل ليوم القيامة يوم البعث لأنّه يوم تثار فيه الناس من قبورهم لموقف الحساب .
والبعث والارسال وكلّ الاطلاق نظائر .
وأصل الباب : البعث وهو الارسال ، وكلّ باعث فاعل ، وأمّا المبعوث فقد يكون فاعلاً ، وقد لا يكون ، يقال : بعث الله عليهم ريحاً فاقتلعتهم والريح مبعوثة ، ويقال : الشهوة للشيء تبعث على الطلب له .
فإن قيل : هل يجوز أن يرد الله أحداً إلى التكليف بعد أن مات ، وعاين ما يضطره إلى معرفته بالله ؟ قيل : في ذلك خلاف ، قال أبو عليّ : لا يجوز ذلك إلاّ على من لم يضطره الله إلى معرفته ، وقال بعضهم : يجوز التكليف في الحكمة ، وإن اضطر إلى المعرفة وقول أبي عليّ أقوى ، واعلّ الرماني قول أبي عليّ .
فإن قيل : لما كانت المعرفة لأجل الطاعات التي كلّفها العبد كانت هي الغرض الّذي يتبعه سائر الطاعات فلو ارتفع الغرض ، ارتفع التابع له ، كما أنّ الغرض في الشرائع الاستصلاح في الأصول التي تجب بالعقل فلو ارتفع ذلك
