نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 234
الإنسان إذا وقع في يده الآكلة فإذا قطعت تلك اليد فهذا في الظاهر عذاب ، وفي الباطن راحة ورحمة ، فالأبله يغتر بالظواهر ، والعاقل ينظر في السرائر . إذا عرفت هذا فكل ما في العالم من محنة وبلية وألم ومشقة فهو وإن كان عذاباً وألماً في الظاهر إلا أنه حكمة ورحمة في الحقيقة ، وتحقيقه ما قيل في الحكمة : إن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير ، فالمقصود من التكاليف تطهير الأرواح عن العلائق الجسدانية كما قال تعالى : * ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) * ( الإسراء : 7 ) والمقصود من خلق النار صرف الأشرار إلى أعمال الأبرار ، وجذبها من دار الفرار إلى دار القرار ، كما قال تعالى : * ( ففروا إلى الله ) * ( الذاريات : 50 ) وأقرب مثال لهذا الباب قصة موسى والخضر عليهما السلام ، فإن موسى كان يبني الحكم على ظواهر الأمور فاستنكر تخريق السفينة وقتل الغلام وعمارة الجدار المائل ، وأما الخضر فإنه كان يبني أحكامه على الحقائق والأسرار فقال : * ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً ، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً ؛ فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً ، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ) * ( الكهف : 79 - 82 ) فظهر بهذه القصة أن الحكيم المحقق هو الذي يبني أمره على الحقائق لا على الظاهر ، فإذا رأيت ما يكرهه طبعك وينفر عنه عقلك فاعلم أن تحته أسراراً خفية وحكماً بالغة ، وأن حكمته ورحمته اقتضت ذلك ، وعند ذلك يظهر لك أثر من بحار أسرار قوله الرحمن الرحيم . الفائدة الثانية : الرحمن : اسم خاص بالله ، والرحيم : ينطلق عليه وعلى غيره . فإن قيل : فعلى هذا : الرحمن أعظم : فلم ذكر الأدنى بعد ذكر الأعلى ؟ . والجواب : لأن الكبير العظيم لا يطلب منه الشيء الحقير اليسير ، حكي أن بعضهم ذهب إلى بعض الأكابر فقال : جئتك لمهم يسير فقال : اطلب للمهم اليسير رجلاً يسيراً ، كأنه تعالى يقول : لو اقتصرت على ذكر الرحمن لاحتشمت عني ولتعذر عليك سؤال الأمور اليسيرة ، ولكن كما علمتني رحماناً تطلب مني الأمور العظيمة ، فأنا أيضاً رحيم ؛ فاطلب مني شراك نعلك وملح قدرك ، كما قال تعالى لموسى : " يا موسى سلني عن ملح قدرك وعلف شاتك " . الفائدة الثالثة : وصف نفسه بكونه رحماناً رحيماً ، ثم إنه أعطى مريم عليها السلام رحمة واحدة حيث قال : * ( ورحمة منا وكان أمراً مقضياً ) * ( مريم : 21 ) فتلك الرحمة صارت سبباً لنجاتها من توبيخ
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 234