نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 185
وهذه المعاني قائمة في كل العالمين ، فإنها محل الحركات والسكنات وأنواع التغيرات ، فتكون علة احتياجك إلى الإله المدبر قائمة فيها ، وإذا حصل الاشتراك في العلة وجب أن يحصل الاشتراك في المعلول ، فهذا يقتضي كونه رباً للعالمين ، وإلهاً للسموات والأرضين ، ومدبراً لكل الخلائق أجمعين ، ولما تقرر هذا المعنى ظهر أن الموجود الذي يقدر على خلق هذه العوالم على عظمتها ويقدر على خلق العرش والكرسي والسماوات والكواكب لا بدّ وأن يكون قادراً على إهلاكها ، ولا بدّ وأن يكون غنياً عنها ، فهذا القادر القاهر الغني يكون في غاية العظمة والجلال ، وحينئذٍ يقع في قلب العبد أني مع نهاية ذلتي وحقارتي كيف يمكنني أن أتقرب إليه ، وبأي طريق أتوسل إليه ، فعند هذا ذكر الله ما يجري مجرى العلاج الموافق لهذا المرض ، فكأنه قال : أيها العبد الضعيف ، أنا وإن كنت عظيم القدرة والهيبة والإلهية إلا أني مع ذلك عظيم الرحمة ، فأنا الرحمن الرحيم وأنا مالك يوم الدين ، فما دمت في هذه الحياة الدنيا لا أخليك عن أقسام رحمتي وأنواع نعمتي وإذا مت فأنا مالك يوم الدين ، لا أضيع عملاً من أعمالك ، فإن أتيتني بالخير قابلت الخير الواحد بما لا نهاية له من الخيرات ، وإن أتيتني بالمعصية قابلتها بالصفح والإحسان والمغفرة . ثم لما قرر أمر الربوبية بهذا الطريق أمره بثلاثة أشياء : أولها : مقام الشريعة ، وهو أن يواظب على الأعمال الظاهرة ، وهو قوله : * ( إياك نعبد ) * وثانيها : مقام الطريقة ، وهو أن يحاول السفر من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ، فيرى عالم الشهادة كالمسخر لعالم الغيب ، فيعلم أنه لا يتيسر له شيء من الأعمال الظاهرة إلا بمدد يصل إليه من عالم الغيب ، وهو قوله : * ( وإياك نستعين ) * وثالثها : أنه يشاهد عالم الشهادة معزولاً بالكلية ، ويكون الأمر كله لله ، وحينئذٍ يقول : * ( إهدنا الصراط المستقيم ) * . ثم إن ههنا دقيقة ، وهي أن الروح الواحد يكون أضعف قوة من الأرواح الكثيرة المجتمعة على تحصيل مطلوب واحد ، فحينئذٍ علم العبد أن روحه وحده لا يكفي في طلب هذا المقصود ، فعند هذا أدخل روحه في زمرة الأرواح المقدسة المطهرة المتوجهة إلى طلب المكاشفات الروحانية والأنوار الربانية ، حتى إذا اتصل بها وانخرط في سلكها صار الطلب أقوى والاستعداد أتم ، فحينئذٍ يفوز في تلك الجمعية بما لا يقدر على الفوز به حال الوحدة ، فلهذا قال : * ( صراط الذين أنعمت عليهم ) * . ثم لما بين أن الاتصال بالأرواح المطهرة يوجب مزيد القوة والاستعداد ؛ بين أيضاً أن
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 185