نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 184
الهداية والمكاشفة إلا إذا اقتدى بشيخ يهديه إلى سواء السبيل ويجنبه عن مواقع الأغاليط والأضاليل ، وذلك لأن النقص غالب على أكثر الخلق ، وعقولهم غير وافية بإدراك الحق وتمييز الصواب عن الغلط ، فلا بدّ من كامل يقتدى به الناقص حتى يتقوى عقل ذلك الناقص بنور عقل ذلك الكامل ؛ فحينئذٍ يصل إلى مدارج السعادات ومعارج الكمالات . وقد ظهر بما ذكرنا أن هذه السورة وافية ببيان ما يجب معرفته من عهد الربوبية وعهد العبودية المذكورين في قوله تعالى : * ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) * ( البقرة : 40 ) . المسألة الثانية : في تقرير مشرع آخر من لطائف هذه السورة : - اعلم أن أحوال هذا العالم ممزوجة بالخير والشر ، والمحبوب والمكروه ، وهذه المعاني ظاهرة لا شك فيها ، إلا أنا نقول : الشر وإن كان كثيراً إلا أن الخير أكثر ، والمرض وإن كان كثيراً إلا أن الصحة أكثر منه والجوع وإن كان كثيراً إلا أن الشبع أكثر منه ، وإذا كان الأمر كذلك فكل عاقل اعتبر أحوال نفسه فإنه يجدها دائماً في التغيرات والانتقال من حال إلى حال ، ثم إنه يجب الغالب في تلك التغيرات هو السلامة والكرامة والراحة والبهجة ، أما الأحوال المكروهة فهي وإن كانت كثيرة إلا أنها أقل من أحوال اللذة والبهجة والراحة ، إذا عرفت هذا فنقول أن تلك التغيرات لأجل أنها تقتضي حدوث أمر بعد عدمه تدل على وجود الإله القادر ، ولأجل أن الغالب فيها الراحة والخير تدل على أن ذلك الإله رحيم محسن كريم ، أما دلالة التغيرات على وجود الإله فلأن الفطرة السليمة تشهد بأن كل شيء وجد بعد العدم فإنه لا بدّ له من سبب ، ولذلك فإنا إذا سمعنا أن بيتاً حدث بعد أن لم يكن فإن صريح العقل شاهد بأنه لا بدّ له من فاعل تولى بناء ذلك البيت ، ولو أن إنساناً شككنا فيه لم نتشكك ، فإنه لا بدّ وأن يكون فاعل تلك الأحوال المتغيرة قادراً ، إذ لو كان موجباً بالذات لدام الأثر بدوامه ، فحدوث الأثر بعد عدمه يدل على وجود مؤثر قادر ، وأما دلالة تلك التغيرات على كون المؤثر رحيماً محسناً ؛ فلأنا بينا أن الغالب في تلك التغيرات هو الراحة والخير والبهجة والسلامة ، ومن كان غالب أفعاله راحة وخيراً وكرامة وسلامة كان رحيماً محسناً ، ومن كان كذلك كان مستحقاً للحمد ، ولما كانت هذه الأحوال معلومة لكل أحد وحاضرة في عقل كل أحد عاقل كان موجب حمد الله وثنائه حاضراً في عقل كل أحد ؛ فلهذا السبب علمهم كيفية الحمد فقال : * ( الحمد لله ) * ولما نبه على هذا المقام نبه على مقام آخر أعلى وأعظم من الأول ، وكأنه قيل : لا ينبغي أن تعتقد أن الإله الذي اشتغلت بحمده هو إلهك فقط ، بل هو إله كل العالمين ، وذلك لأنك إنما حكمت بافتقار نفسك إلى الإله لما حصل فيك من الفقر والحاجة والحدوث والإمكان
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 184