نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 147
أنا حتى أعرفك ، ومن أنا حتى أكون مخاطباً لك ، وما للتراب ورب الأرباب ، وأي مناسبة بين المتولد عن النطفة والدم وبين الموصوف بالأزلية والقدم ؟ فأنت أعلى من جميع المناسبات وأنت مقدس عن علائق العقول والخيالات ، فلهذا السبب خاطبة العبد بخطاب الغائبين فقال : يا هو . والفائدة الثانية : أن هذا اللفظ كما دل على إقرار العبد على نفسه بالدناءة والعدم ففيه أيضاً دلالة على أنه أقر بأن كل ما سوى الله تعالى فهو محض العدم ، لأن القائل إذا قال : " يا هو " فلو حصل في الوجود شيئان لكان قولنا : " هو " صالحاً لهما جميعاً ، فلا يتعين واحد منهما بسبب قوله : " هو " فلما قال : ( يا هو ) فقد حكم على كل ما سوى الله تعالى بأنه عدم محض ونفي صرف ، كما قال تعالى : * ( كل شيء هالك إلا وجهه ) * ( القصص : 88 ) وهذان المقامان في الفناء عن كل ما سوى الله مقامان في غاية الجلال ، ولا يحصلان إلا عند مواظبة العبد على أن يذكر الله بقوله : يا هو . والفائدة الثالثة : أن العبد متى ذكر الله بشيء من صفاته لم يكن مستغرقاً في معرفة الله تعالى ؛ لأنه إذا قال : " يا رحمن " فحينئذٍ يتذكر رحمته فيميل طبعه إلى طلبها فيكون طالباً للحصة ، وكذلك إذا قال : ( يا كريم ، يا محسن ، يا غفار ، يا وهاب ، يا فتاح ) وإذا قال : ( يا ملك ) فحينئذٍ يتذكر ملكه وملكوته وما فيه من أقسام النعم فيميل طبعه إليه فيطلب شيئاً منها ، وقس عليه سائر الأسماء ، أما إذا قال : ( يا هو ) فإنه يعرف أنه هو ، وهذا الذكر لا يدل على شيء غيره البتة ، فحينئذٍ يحصل في قلبه نور ذكره ، ولا يتكدر ذلك النور بالظلمة المتولدة عن ذكر غير الله ، وهناك يحصل في قلبه النور التام والكشف الكامل . والفائدة الرابعة : أن جميع الصفات المعلومة عند الخلق : إما صفات الجلال ، وإما صفات الإكرام ، أما صفات الجلال فهي قولنا ليس بجسم ولا بجوهر ولا عرض ولا في المكان ولا في المحل ، وهذا فيه دقيقة ؛ لأن من خاطب السلطان فقال : أنت لست أعمى ولست أصم ولست كذا ولا كذا ويعد أنواع المعايب والنقصانات فإنه يستوجب الزجر والحجر والتأديب ، ويقال : إن مخاطبته بنفي هذه الأشياء عنه إساءة في الأدب ، وأما صفات الإكرام فهي كونه خالقاً للمخلوقات مرتباً لها على النظم الأكمل ، وهذا أيضاً فيه دقيقة من وجهين : الأول : لا شك أن كمال الخالق أعلى وأجل من كمال المخلوق بمراتب لا نهاية لها ، فإذا شرحنا نعوت كمال الله وصفات جلاله بكونه خالقاً لهذه المخلوقات فقد جعلنا كمال هذه المخلوقات كالشرح والبيان لكمال جلال الخالق ، وذلك يقتضي تعريف الكامل المتعالى بطريق في غاية الخسة والدناءة ،
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 147