نام کتاب : رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ نویسنده : السيد لطيف القزويني جلد : 1 صفحه : 217
رغم الصعاب والمحن ، فعلم السائرين في هذا الطريق الصبر على مرارة السجون والثبات على الحق والاستهانة بأساليب الجلادين ، ووسائل القهر والارهاب ، فقد كان الرشيد ينقل الامام من سجن إلى سجن ، فمن عيسى بن جعفر ، إلى الفضل بن الربيع ، إلى الفضل بن يحيى ، إلى السندي بن شاهك لعله يخفى شخص الامام ، وقتل روح المقاومة ويغيبه عن الأذهان ، الا أن وجود الإمام موسى بن جعفر في السجن كان له مغزى سياسي ، وقيمة جهادية كبرى ، وخصوصا لتنقله بين السجون ومتابعة أنباء الأمة لأخباره ، وعجز السلطة عن حسم الموقف معه ، فقد كان وجوده يغذى روح الثورة والرفض والمقاومة ، ويضفى عليها صفة الشرعية ، لذلك فقد رفض الامام التوسط لدى الحكام لإخراجه من السجن ، أو اللجوء إلى أي موقف من شأنه أن يضعف في الأمة هذه الروح ، فقد رفض وقال لبعض من طلب منه أن يرسل بعض الشخصيات إلى هارون الرشيد للوساطة وإطلاق حريته . حدثني أبي عن آبائه ، أن الله عز وجل أوحى إلى داود : يا داود إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني ، وعرفت ذلك منه الا قطعت عنه أسباب السماء ، وأسخت الأرض من تحته ( 1 ) . بهذا الرد الحاسم الصادق عزز موقفه وإباءه وثقته بالله سبحانه . ولما أحس الرشيد أن روح المقاومة الصامتة التي أبداها الامام في السجن قد بدأت تأخذ طريقها إلى النفوس ، وأن مواقفه بدأت تتفاعل مع وعى الجمهور واحساس الأمة : خاف أن يتكثف هذا الوعي ، وينمو ذلك الاحساس فيتحول إلى ثورة ، فاستشار وزبره يحيى بن خالد ، فأشار عليه باطلاق سراح الامام . عن المناقب : لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم - موسى بن جعفر - ، وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس ، تحير الرشيد ودعا يحيى بن خالد البرمكي ، فقال له : يا أبا علي أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ؟ ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه ؟ فقال يحيى بن خالد : الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمتن عليه ، وتصل رحمه ، فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا ، وكان يحيى يتولاه وهارون لا يعلم ذلك ، فقال هارون : إنطلق إليه وأطلق عنه الحديد ، وأبلغه عنى السلام وقل له : يقول لك ابن عمك أنه قد سبق منى فيك يمين أنى لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة ، وتسألني العفو عما سلف منك ، وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة ( 2 ) . ولما وصل يحيى إلى الإمام موسى بن جعفر وأخبره برسالة الرشيد ، رفض الامام أن يلبى طلب الرشيد الذي أراد أن يوقف الامام موقف المخاطب المعتذر ، وأجابه . وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدى على صاحبه
1 - القرشي / حياة الإمام موسى بن جعفر / ج 2 / ص 499 . 2 - المجلسي / البحار / ج 48 / ص 230 نقلا عن المناقب .
217
نام کتاب : رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ نویسنده : السيد لطيف القزويني جلد : 1 صفحه : 217